عندما تذهب إلى السوق وتطوف في محلات بيع الملابس تكتشف حجم الاستغلال الذي يتعرض له الناس في هذه الأيام وكل الأيام التي تسبق الأعياد أكثر ما لفت انتباهي هو أن المستوردين للملابس يستغلون ظروف الناس وقدرتهم الشرائية باستيراد أسوأ أنواع الملابس للذكور والإناث معاً صغاراً وكباراً، ثم يبيعونها بأضعاف أثمانها وهي- أي الملابس- لاتساوي شيئاً.. أكثر الملابس المعروضة في الأرصفة والمحلات التجارية عبارة عن قراطيس لا أقمشة ثم إن أصحاب المصانع والمعامل في الدول المنتجة يصدرونها إلى هذا البلد حسب طلب المستوردين والتجار بأردأ المواصفات فيدفع المواطن ما بجيبه من أجل العيد لامن أجل ملابس جيدة والمهم أن يلبس الاطفال يوم العيد ملابس جديدة ويكفي وبذلك الثمن المدفوع.. حتى الملابس التي يظن الناس أنها رخيصة ليست كذلك وهناك أكثر من فرق بين ماهو رخيص وماهو متاح، ولهذا فإن المتاح للشراء هذه الأيام يأخذ أكثر من ثمنه الحقيقي وإن بدا رخيصاً في عيون المستهلك، وبمقارنة الجودة بالثمن نكتشف أن العملية كلها ضحك على الفقراء والمساكين ولاخيار أمامهم سوى القبول بالأمر الواقع سواءً علموا بالحقيقة أم لم يعلموا، غير أن المهم في كل هذا الموضوع أن مواسم الأعياد تحديداً قد تحولت إلى مواسم استغلال تجار الجملة والتجزئة للمواطن المسكين وكل الباعة يكشرون عن أنياب الاستغلال بحجة العيد والعيد فرصة عند هؤلاء لتغطية كساد باقي الأيام والشهور، وليتهم يبيعون مايستحق كل هذا الاستغلال البشع.. قراطيس بلاستيكية جرى تحويلها إلى فساتين وتم تجميلها بنقوش ملونة لتباع بآلاف الريالات وعمرها الافتراضي لايتعدى شهراً واحداً على أحسن حال، ثم تسمع التاجر أو البائع يقسم بالله أنها البضاعة الأروع والأجمل في السوق وأنه لم يربح منها سوى القليل وكأن الواقف أمامه جاء للتو من غابة لايفهم شيئاً.. والحقيقة أن هؤلاء أدركوا سببين رئيسيين ففعلوا كل هذا بالناس، السبب الأول هو ظروف الناس التي لاتمكنهم من البحث عن البضاعة الأجود، فالجودة لها ثمن لايقدر عليه سوى القليل من الناس والسبب الثاني أن معظم الناس المستهلكين لايستطيعون التفريق بين ماهو جيد وماهو رديء وكثيراً ما تخدعهم الألوان وتغريهم النقوش التي تظهر على الملابس وعن هذا السبب الثاني يتفرع السبب الأكبر وهو أن معظم الذين يقومون بعملية الشراء ليسوا رجالاً بمعنى أن النساء هن الأكثر، والنساء وإن أبدت شطارة واجتهدت في الأخذ والرد فإنها في الأخير لابد ما تقع في مأزق الاختيار والثمن فتختار الأقل جودة وكل ما في السوق أقل جودة مما يفترض ثم بعد حوار طويل عن الثمن تدفع أكثر من القيمة وهي تظن أنها نجحت في انتزاع الثمن المناسب.. والحقيقة أن خبرة التجار والباعة حتى أولئك الذين يفترشون الارصفة قد مكنتهم من تجاوز شطارة الشطار وعلموا كيف يعرضون بضاعتهم وكيف يسوقونها وكيف يجادلون في الثمن. أخطر مايفعله المصدرون والمستوردون معاً هو تحويل شوارعنا ومنازلنا إلى مقالب نفايات من هذا النوع وأنهم يسوقون في بلادنا ما لايمكن تسويقه وبيعه في بلدان أخرى وقد اجتمعت على هذا الوضع أسباب عدة ليس أولها العولمة الاقتصادية واتفاقيات التجارة الحرة ولكن الأسباب تداخلت واشتركت فيها أطراف عدة لايمكن إعفاء أحد أطراف هذه الجريمة من دم الضحية وهو المستهلك المسكين الذي وجد نفسه مجبراً على شراء قراطيس يسمونها ملابس.