في العام 1960م رفع خروتشوف حذاءه وضرب به على طاولة الأممالمتحدة وأصبح ذلك الحذاء أشهر الأحذية في القرن الماضي، وللحذاء تاريخ موغل في القدم حيث استخدم كعلاج للنمرود بن كنعان الذي كان لا يهدأ من آلامه حتى يضرب بالحذاء.. وفي هذا القرن ارتفع حذاء منتظر الزيدي إلى وجه جورج بوش الرئيس الأمريكي قد لا يكون هناك معنى للحادثة أكثر من كونها وجهة نظر احتجاجية على ما تفعله أمريكا في العراق وعلى الاتفاقية التي تكرس الاحتلال أكثر مما تحقق من مصالح للعراقيين. أكثر وسائل الاعلام العربية أعطت للحادثة مساحة كبيرة وهي تتناسب مع الشعور العاطفي المهتاج والمرتاح للحادثة عند أكثر الجماهير العربية فقد بلغ الحال بأمتنا وشعوبنا أنها تبحث عن أي نصر ولو «بالجزم» . أحد العراقيين أعلن أنه على استعداد لشراء زوج الأحذية بمائة ألف دولار وآخر سعودي أعلن أنه سيدفع ثمناً لهما عشرة ملايين دولار، واقترح آخر وضعهما في متحف ليصبحا مزاراً. الحق أن الحادثة جمعت بين عدة دلالات لم يكن الصحافي منتظر يخطط ويوقت لها فالحادثة جاءت في آخر عهد بوش وهو عهد مليء بالاخفاقات والمشاريع الفاشلة سواء العسكرية أوالاقتصادية فهو أنحس رؤساء أمريكا عليها فلم يغادر إلا بعد أن جلب إليها وعليها كل المشكلات الخارجية والداخلية وآخرها الأزمة الاقتصادية. ويصدق عليه المثل العربي «عاد بخفي حنين» أو عاد «بجزمتي الزيدي» والحادثة جاءت في التوقيت القريب من إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام قبل عامين.. ولأننا لم نتعود الاحتجاج على ساستنا بالبيض والطماطم كما في الغرب فقد أخذت الحادثة بعداً أكبر عندنا، وهي - ولاشك - أفضل قبلة وداع لسفاح قتل أكثر من مليون ومئتي ألف عراقي ثم يأتي ليعترف أن كل تلك الدماء والدمار والخراب كان أساسها معلومات خاطئة من «CIA» والصحيح أن المعلومات لم تكن خاطئة بل تم فبركتها لتكون ذريعة للاحتلال وكان الهدف هو النفط العراقي والحضارة العراقية والاسلام كدين، ولهذا كان المهللون للاحتلال والمحرضون له هم من شركات النفط وأعداء الحضارة المروجون لصدام الحضارات رجال دين انجيليين ويهود. إن مقاومة الاحتلال في العراق ستظل ما ظل جندي أجنبي على أرضه هذه، مسلمة من المسلمات وسنة من السنن، وإذا كان الكل يقاوم بما لديه من سلاح فقد اعتبر منتظر مقاوماً ولو بالحذاء وهذا يذكر بمقولة ونستون تشرشل عندما كانت الصواريخ الالمانية تقصف لندن وكان يتحدث هو عبر الاذاعة للشعب الانجليزي ويحثه على مقاومة النازية بكافة الاسلحة ثم التفت إلى القس الذي كان إلى جانبه ليقول وحتى «بزجاجات البيرة الفارغة أليس كذلك يا أبتي»؟ المهم أن الحادثة أحدثت ارتياحاً لدى الجميع.. وإذا كان المشهد لم يتكرر في افغانستان محطة بوش الثانية فإن الزوجين هدية وداع من البلدين العراقوافغانستان.. وأخيراً ماهو مصير منتظر الزيدي وهو في عهدة الحرس الرئاسي العراقي؟ هل تسمح له الديمقراطية المزعومة في العراق بمحاكمة عادلة أم سيتم معاملته بالطريقة التقليدية عند بعض العرب «اعترف أنك غزال» لانملك إلا أن ندعو له بالرحمة ومحاكمة عادلة.