بدأت الأطروحات حول الأزمة المالية، أو «التسونامي المالي»، أو «الإعصار المالي»، تقول: إن هذه الإشكالية التي ضربت النظام المالي في الغرب الرأسمالي، وبقية الرأسماليات في العالم، صارت تدفع بصورة أوضح إلى التوجه نحو النظام الاشتراكي بصورة أو بأخرى، كخيار فرضته الأزمة المالية، وما انسحب جراء ذلك على القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تأثرت بهذه الأزمة إلى حد الدخول في مرحلة من الكساد الاقتصادي، الذي بدأ شبحه يهيمن على الاقتصاديات الرأسمالية «غرباً، وشرقاً، وشمالاً، وجنوباً». إنما الحكاية ليست كما يطرح بأن «الأزمة المالية» وما أدت إليه من انهيارات مأساوية للكثير من المؤسسات النقدية الغربية.. فالطرح بأن الأزمة قد أدت إلى قناعات لدى الغرب الرأسمالي لمواجهة الأزمة بالتحول «جزئياً أو كلياً» نحو الاشتراكية.. وهو طرح مبالغ فيه، حتى وإن قامت وستقوم بعض الدول الغربية إن لم يكن كلها ب«تأميم» المؤسسات النقدية المتعثرة «جزئياً أو كلياً»، لأن مثل هذه الحلول ليست تحولاً نحو «الاشتراكية» بقدر ما هو العودة إلى «رأسمالية الدولة» التي تتيح للدولة الشراكة الاقتصادية والاجتماعية، كوظيفة من وظائف الدولة تمكنها من الإدارة والرقابة والمحاسبة، والتدخل في إدارة القطاعات الاقتصادية والسياسات الاجتماعية، أو على الأقل الإشراف على أداء القطاعات المالية والاقتصادية، بغرض الحماية، وبهدف أن يكون للاقتصاديات بمختلف قطاعاتها دورها التنموي اقتصادياً واجتماعياً. هذا الدور كانت الدولة قد تخلَّت عنه لصالح نظريات الاقتصاد الحر، وحرية السوق، مما أدى إلى توحش السوق، وأعمته أطماعه، فعاث وأفسد ليمضي بالنظام الرأسمالي إلى ما هو عليه اليوم، حيث بدأ الاقتصاد الرأسمالي يدخل نفقاً مظلماً لا يدري إلا الله إلى أي مدى سيصل. الحكومات الغربية بدأت تعيد حساباتها، وتدرك مدى الخطأ الذي ارتكبته حين ألغت مسؤولية الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وتتحول إلى جهاز وظيفي لدى قوى السوق تنفيذ رغباتها وأطماعها، لكن إدراك الحكومات لهذا الخطأ جاء متأخراً.. إنما لا «بأس» به.. وبدأت الحكومات تستعيد وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب دورها السياسي، وذلك من خلال التأميم الجزئي أو الكلي، والعودة إلى ما أُسميه «رأسمالية»، وليس الاشتراكية.. وعلينا أن نفرِّق بين الاشتراكية، ورأسمالية الدولة.