في سماء غزّة برزت وتبرز حقائق كثيرة ، فالآلة الحربية للعدو الصهيوني لم تترك مجالاً لجعل الصورة قابلة للاحتمالات أو تعدد التفاسير ، فلقد أرادت - والعرب والمسلمون يودعون عاماً هجرياً وميلادياً توّج ب(نصر الحذاء) المنتظر في العراق - أن تعيدهم إلى حقائق الأشياء وقواعد اللعبة ، بعد أن ظن العرب أنهم بهذا الفعل الشجاع من صاحب قلم عراقي قد حققوا نجاحاً عظيماً وفتحاً مبيناً ونصراً مؤزراً على القوة الأمريكية الغاشمة ، فنام الحكّام والشعوب العربية على (نصر حذاء) منتظر ، وطووا صفحة العجز العربي المهين ، وبدأ المخططون الاستراتيجيون ، منهم ، يفكرون في توفير مليارات الدولارات التي تذهب لشراء الأسلحة الفتّاكة للعمل على توسيع قاعدة مصانع الأحذية مقاس (عشرة) ، كونها قادرة على ردّ الكرامة العربية المستباحة منذ معاهدة الذل والهوان المصرية الإسرائيلية في عام (1979م) ، التي كانت ومازالت قاعدة لتنازلات على حساب الحق الفلسطيني ، فكشفت القناع عن الكثير من الأنظمة العربية التي لم تكن - يوماً - حريصة على الأرض الفلسطينية المقدسة ، وأسهمت بقوة في تفتيت الصف النضالي العربي والفلسطيني ، مما أوصل الحال في الأرض العربية إلى سليبة ومحتلة وفاقدة للقرار السيادي ، فسماء غزّة - منذ السبت الأسود - تمطر حمماً صهيونية قاتلة ، تسعى إلى إبادة جماعية وفق قواعد اللعبة الإسرائيلية في الداخل والمحيط الإقليمي بعد أن تغلغلت في دهاليز الجسد العربي الرسمي وصارت توجّه سيره وتتنفس غاياته المخبوءة للقضاء على المقاومة في الأرض المقدسة ، ونجحت هذه السياسة في لعبتها التي سارت عليها في كل تعاملاتها مع النظام العربي دون النظر إلى تداعياتها عليه ، بل ومن أهدافها أيضاً إذلال هذا النظام وإظهاره بالعاجز معها المستبد مع مواطنيه ، فكانت سماء غزّة مسرحاً لتنفيذ الاجندة الصهيونية لوضع أسس جديدة للتعامل مع القضية الفلسطينية وملف اللاجئين والقدس الشريف تفرضها في السنوات القادمة على المسرح الدولي في ظل القيادة السمراء للولايات المتحدةالأمريكية ، التي بعثت إليها – مبكراً – برسالة واضحة أنها اللاعب الأول والوحيد في الشرق الأوسط ،عامة ، والمحيط العربي ، خاصة ، من هنا كانت هذه العاصفة المجنونة التي لم تزل ترسل حمم الصواريخ المدمرة في غزّة وعلى مرأى ومسمع من الضمير العالمي المخروم ، في حين ظهرت الأرض العربية – كعادتها – في اتجاهين متناقضين ، فالشعوب المغلوبة على قرارها في الداخل تجد فرصة حقيقية للتعبير عن غضبها من واقعها المرير وهوانها اليومي المحمل بالمشاعر الحقيقية تجاه أولى القبلتين ومسرى النبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، ونظام عربي مبعثر الأشلاء متهالك البنيان ، خليق به أن يطيل النظر في قواعد (سماء غزّة) التي هي نسخ مكررة لمجازر صهيونية منذ دير ياسين ، مروراً بصبرا وشاتيلا ، وليس انتهاء بمجزرة غزّة ، التي انتفضت الأرض العربية من الماء إلى البحر ، إلا أن النظام العربي لا يرى السماء ولا يشرب الماء ولا يتعشّق البحر وينتظر الرحيل عن الأرض.