ما كانت شعوب العالم لتنقلب إلى البدائل الديمقراطية لولا أن نزيف العنف كان يئد كل أمانيها في بلوغ الحياة الكريمة، غير أن انزلاق الديمقراطية إلى مدارج العنف في اليمن يملي سؤالاً ملحاً هو: ماجدوى الديمقراطية إن تحولت إلى أداة تغييب الأمن والسلام؟!. ربما لسنا البلد الوحيد الذي تتجاذبه أزمات التحول الديمقراطي، فتلك إشكالية مبعثها إفراغ التجربة من قيمها الإنسانية والأخلاقية، واستثمارها كغيرها مروراً إلى كل المصالح الانتهازية، والمطامع السياسية في إطار الصراع على السلطة.. وهو الأمر الذي ينذر بانسلاخ مريع عن الذات الوطنية التي هي الأساس في حماية وجودنا في أوطاننا..! فإذا كان هناك من يفترض أن (الشعوب على دين ملوكها) ، فإن ركوب موجة الديمقراطية المفرغة من القيم يكفل فرصاً عظيمة لبعض القوى لتهجين الهوية الثقافية والحضارية لبعض الشعوب، وبما يخرجها عن دائرة الانتماء الوطني، بفضل الكثير من الأدوات العصرية كالمنظمات، والجمعيات، والمنابر الإعلامية المتحررة، وتوصيات التقارير السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية تحت عنوان «التقرير السنوي لحقوق الإنسان في العالم». وطالما هناك ديمقراطية مفرغة من القيم، فإن الأخذ بوصاية الأبعد عن استشعار المفاهيم والحقوق الإنسانية وإدراك ممارساتها هو الكارثة الحقيقية التي من شأنها مسخ الدلالات الحقيقية لسلوك الدولة أو المجتمع، وجرفه إلى غير ساحته التي ينبغي أن يكون فيها، كما هو شأن بعض المنظمات والأحزاب السياسية والتي تفسر الشغب على أنه سلوك حقوقي مشروع، أو تعتبر الدعوة والتحريض على تشطير الوطن بمثابة حريات تعبير، أو تلك التي تطالب بإلغاء الترخيص القانوني لإقامة منظمات المجتمع المدني، دونما وعي بخطورة إطلاق الحريات على مصراعيها، وإيجاد سقف شرعي لقيام حتى المؤسسات المناهضة للعقيدة الدينية، أو المنافية لأخلاق المجتمع وأعرافه. عندما تخرج الممارسة عن غايات الديمقراطية السلمية فإن على المجتمع والدولة أن يسقطوا عنها التوصيف الديمقراطي، وإلاّ فإنها ستؤسس لثقافة ديمقراطية شاذة أو منحرفة من شأنها إنتاج مخرجات عكسية تكرس الفوضى، والعنف، والانتهاكات الإنسانية، على غرار ما قام به بعض أدعياء الديمقراطية في الضالع أمس من اعتداء على أصحاب المحلات التجارية والبسطات والمسافرين، وهو تعدٍ سافر يدخل في إطار الفعل الجنائي، وإذا ما تم السكوت عنه لابد أن يحول هذه الممارسات إلى موروث ثقافي سلبي للاستبداد بالمجتمع، وتكريس شريعة الغاب. إن المشاكل التي تواجهها التجربة الديمقراطية في اليمن لا تكمن في سوء الخيار السياسي بقدر ما ترتبط بسوء أخلاقيات بعض أدعياء الديمقراطية من القوى الانتهازية التي اعتادت على استثمار كل الفرص لإشباع أنانيتها، ولترويض المجتمع للقبول بظلمها وفسادها، وهو الأمر الذي يتوجب على الجميع مناهضته بكل الوسائل حتى لا يصبح أراذل المجتمع أسياده.