التفاؤل من صفات المؤمن، ونحن دائماً متفائلون، وهناك تغييرات في المنطقة ربما يكون لها ما بعدها، غير أن هذه التغييرات ليست بالجوهرية التي يمكن التعويل عليها، فالسياسة الأمريكية التي وعد بها أوباما حتى اللحظة لا نرى لها أثراً.. فمندوبه ميتشيل أطلق أول تصريح فحواه ضرورة منع تهريب الأسلحة إلى غزة، وسارعت أمريكا، وألمانيا، وفرنسا إلى تركيب أجهزة مراقبة لكشف الأنفاق، وعندما أظهر أردوجان بعض السخط أمام رئيس وزراء إسرائيل الإرهابي شمعون بيريز، كان رد ميتشيل بتأجيل زيارته المقررة إلى تركيا، كل هذه التصرفات لا تبشر بخير ولا تدعو إلى التفاؤل. ثم إن ميتشيل قابل الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته وأطرافاً عربية أخرى في مصر والأردن والسعودية ولكنه لم يذهب إلى غزة ليقابل الطرف المعني بالهدنة. فالولاياتالمتحدة لم ولن تكون في يوم ما على المدى القريب وسيطاً محايداً، فهي منحازة لإسرائيل وحتى أوروبا ، ومع أن هذا الأمر يعرفه أطفال العرب والمسلمين إلا أن السياسيين في المنطقة يصرّون على أن تكون الولاياتالمتحدة الوسيط الوحيد بل ويرفضون تدخل غيرها في مسألة الوساطة وهم اليوم يحاولون إبعاد الأتراك عن الموضوع، وهذا بطلب من إسرائيل التي رأت بعد كل ما صدر عن أردوجان أن الأتراك ربما ينحازون إلى الحق، أما إيران فقد أصبحت في خانة الأعداء وهي البُعبع المخيف لجيرانها لأنها تحاول تطوير قدراتها الدفاعية، وغاب عن هؤلاء السياسيين أن من يريد السلام لابد أن يكون مستعداً للحرب، فسلام الضعيف هو استسلام في حقيقته. لقد صور الإسرائيليون للعالم أن السلام ممكن جداً ولكن العقبة الوحيدة هي حماس وفصائل المقاومة الأخرى التي تصرّ على مقاومة الاحتلال، وترد على التوغلات وتعترض على الاستيطان وتطالب بعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، لقد نجحت إسرائيل إلى حد كبير في تقسيم العرب إلى محاور، معتدلون يوالون أمريكا وإسرائيل، وممانعون يوالون إيران وسوريا. والعرب في كلا المحورين ليسوا مركزاً بل أتباعاً، ولو قمنا بمقارنة بسيطة بين المحورين فأيهما أقرب إلى طموحاتنا وأيهمها أبعد، صحيح أن المركزين يشكلان خطراً ولكن لماذا لا يتحرك العرب ليكونوا هم المركز لقضاياهم، فالجامعة العربية هذا الكيان الذي نشأ بمشورة وزير خارجية بريطانيا آنذاك كفكرة مضادة للجامعة الإسلامية، لم يعد هذا الكيان صالحاً بوضعه الحالي وميثاقه القديم لتحقيق أي نوع من أنواع الوحدة أو الاتحاد. فالعلاقات العربية - العربية لاتزال علاقة شخصية بين الزعماء وربما تنسفها مقابلة تلفزيونية أو مقال في جريدة في ظل غياب العمل المؤسسي الذي لدى هذه الدول.. قلنا وما زلنا نقول: إن عوامل التوحيد بين هذه الدول أكثر منها لدى أوروبا والجانب الاقتصادي يمكن أن يكون مدخلاً لبناء علاقة تكاملية خاصة بعد الأزمة المالية العالمية التي تمثل فرصة سانحة لبناء أو المساهمة في بناء نظام اقتصادي بعيداً عن النظام الرأسمالي الذي تسعى دوله لترقيعه على حسابنا وحساب الدول الضعيفة. إن مشكلتنا السياسية والاجتماعية ترتبط وثيقاً بالمشكلة الاقتصادية وأعتقد أن قمة الكويت يمكن أن تمثل أرضية - إذا صدقت النيات - لقيام نظام عربي جديد بعيداً عن المحاور المعادية، وربما يبزغ أمل جديد للصوماليين بانتخاب شيخ شريف شيخ أحمد الذي يحظى بشبه إجماع لدى الشعب الصومالي، وإذا صدق المهنئون له في دعمه فربما نشهد قريباً حكومة جديدة في الصومال. هناك تحركات كثيرة، اجتماع ثلاثي في القاهرة انتقل إلى أبوظبي ورئيس وزراء قطر في فرنسا ثم في بريطانيا والرئيس التركي في السعودية ووفد من حماس في القاهرة وعباس في باريس، كل هذه التحركات لن تجدي شيئاً إذا لم تلامس أصل المشكلة ولن يكتب لها النجاح إذا حاولت تجاوز فصائل المقاومة وأصرت على عدم الاعتراف بها، لذا فقد كانت الدعوة التركية لإشراك المقاومة في عملية السلام مقترحاً مرحباً به حتى من توني بلير ومن أطراف عديدة ولكن تبرز مشكلة في تعريف السلام المراد إشراكها فيه. هل هو بمعنى الاستسلام الذي تريده إسرائيل أم السلام الذي يفضي إلى إنهاء الاحتلال؟! مشكلة العرب والقيادة الفلسطينية أنهم يصرون على تمزيق بعض الأوراق المهمة جداً في مفاوضاتهم «العبثية» الطويلة، وورقة المقاومة هي الأولى بالمحافظة عليها، فلا يمكن لإسرائيل أن تقبل بسلام أو تفاوض عليه ما لم تشعر بتهديد حقيقي على وجودها قبل أمنها، فهم لم ينسحبوا من سيناء إلا بعد أن عبر الجيش المصري قناة السويس، وإلا كان الحال باقياً على ماهو عليه حتى الآن، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فالذي لا يعرف اليهود يقرأ تاريخهم ليس معنا فحسب بل مع كل شعوب الأرض، فهم كما قال الله تعالى: «وكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون» ويهود إسرائيل اليوم والصهيونية العالمية هم من أكثرم.. فلا يمكن لقتلة الأنبياء أن يتورعوا عن قتل الأطفال.. لذا فإن دعم المقاومة وحمايتها هو السبيل لتحقيق سلام عادل وإلا فعلى السلام السلام.