علماء ومفكرون وباحثون من أكثر من أربعين بلداً إسلامياً يبحثون في صنعاء عن تجديد الفكر الإسلامي، ولم يتضح بعد إن كانوا يقصدون «تشذيب» الفكر الإسلامي، أم ان ثمة تأويلات «حداثية» ستطرأ على بعض المفاهيم السائدة في الثقافة الإسلامية.. أم أن ثمة محاولات تجري «لترويض» بعض الأفكار، وتطويعها للفلسفة العصرية التي يتداولها العالم. في كثير من المؤتمرات العالمية التي تكرس للشأن الإسلامي، وتحمل أهدافاً عصرية حداثية تلفت أنظارنا ظاهرة مستديمة هي أن من كانوا بالأمس يغرسون المفاهيم المتشددة، والمواقف المتطرفة هم أنفسهم من يحملون دعوة التحديث والتجديد إلى أروقة المؤتمرات، ولكن من غير أن يبادروا إلى تصحيح مؤلفاتهم، أو تقديم مؤلفات جديدة تعلن تراجعها عن بعض ما تداولته بالأمس. أما الوجه الآخر من الظاهرة هو أن جيل الأمس المخضرم من العلماء والمفكرين والباحثين وحده من يلتقي في هذه المؤتمرات من غير إشراك الجيل الفتي السائر على نفس النهج، وهو ما يجعلنا نتساءل : لماذا يصر جيل الأمس على فرض رؤاه، ورسم ملامح حياة جيل الغد الفتي ؟ وما الذي يمنع تداخل الأجيال تحت سقف مؤتمر واحد، فيعرض كل منهم وجهة نظره للقضية المتداولة من زاويته الخاصة ؟ من الصعب تخيل أننا نتطلع إلى حداثة وتجديد وعصرنة في الوقت الذي نقصي الآخر، ونطلب منه التنحي جانباً، ونتفرد في مناقشة كل تفاصيل حياته، متجاهلين حقيقة أنه أقدر منا على قراءة تفاعلات حياته اليومية مهما كانت خبراتنا كبيرة وتجاربنا طويلة. لقد اعتدنا الوقوف أمام ظاهرة الفصل بين الأجيال في المؤتمرات الحوارية، حتى أخذنا نتوزع مللاً ومذاهب وتيارات ونتعصب لها كما لو كنا نتعاطى مع المسألة العقائدية بنفس لغة التعددية الحزبية وتفاعلات الحياة الديمقراطية، في محاولة لشغل الفراغ الذي خلفه هذا التنافر بين جيل العلماء المخضرمين وجيل الحداثيين من أبناء المرحلة المستهدفة. أعتقد أننا اليوم لسنا بحاجة إلى «ترويض» أو «تطويع القيم الدينية» لأنها بالأساس تحتفظ بمدلولها القوي والحكيم، غير أن ما نحتاجه هو تشذيب الفكر الإسلامي مما علق به من أفكار وأحكام وفلسفات لم ينزل بها الله من سلطان. إلى جانب معاودة القراءة المتأنية لمناهجنا الإسلامية والوقوف على دلالاتها المعنوية الأبلغ والأصوب. أما فكرة «الترويض» فهي بلا شك مذلة ومهينة ليس للدين بل لأنفسنا أيضاً كوننا نحاول تغطية عجزنا وضعف حجتنا بتجاوز المهمة الإنسانية والأخلاقية المناطة بنا كمسلمين، فلاينبغي لأحد أن يفكر بالتسوية السلبية، لأنها تنازل لايستحقه أحد، وإذلال لاتستحقه أنفسنا.