أطلقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندليزا رايس" مقولتها الشهيرة «الفوضى الخلاقة» وهي تعني إحداث فوضى في الشرق الأوسط يتخلق من داخلها النظام.. ولست أدري كيف كانت ستفكر "رايس" لو أنها أدركت أن الفوضى والفساد في اليمن أصبح منظماً!!. المعارضة تتهم السلطة بالفساد، والسلطة تسارع إلى إنشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد. لكن الفساد غير واضح المعالم ولا ما هي ماهيته، خاصة وأنه أصبح مؤسسة لها قوانينها وأعرافها. فهذا أحد الوطنيين الغيورين أخذته العزة الوطنية وحبه للوطن وهو يعمل في باب المندب فلم يتحمل ما يراه من تهريب وإفساد؛ فكتب تقريراً!!وقبل أن يصل إلى الجهات المختصة وجد نفسه مرمياً في السجن، وهو الآن مازال يقبع خلف القضبان ليتحول هو إلى فاسد؛ لأنه أراد أن يلفت النظر إلى عصابات التهريب التي تنتهك حق الوطن وتقتات من جوع هذا الشعب وصحّته. وعلينا أن نؤمن بأن الفساد هو الأصل، والنظام هو الاستثناء.. فرجل المرور يشجع سائقي السيارات على مخالفة نظام السير بمبلغ يساوي حق القات اليومي!!. والآباء يخالفون القانون حينما يسلّمون سياراتهم لأطفال لم يبلغوا السن القانونية بعد.. ووزارة التعليم والجامعة تعلمان الطلاب الغش على حساب الإنجاز والتفوق!!. وعلى هذا الأساس فإن بلداً فقيراً كاليمن دخل الفرد فيها من أقل الدخول في العالم لا تستطيع أن تشتري فيها قطعة أرض ولا تبني سكناً يحميك إهانة المؤجر الشهرية. فمشاريعنا هي مشاريع البقع؛ ولم تترك قطعة أرض في السهول أو الجبال حتى أضحت الأرض في اليمن أغلى منها في واشنطن!!. لذلك فنحن نعلن حبنا لأحزابنا السياسية؛ لأنها تمتلك متخصصين في الاقتصاد والرياضيات والسياسة؛ ولكنهم لا يفهمون معادلات حركة الشعوب. نحبهم لأنهم عاطفيون ويسعون لإمتاعنا في الحديث عن النظام والقانون والديمقراطية. نحبهم لأنهم يمتلكون مهارة عجيبة في رفع الديمقراطية إلى مرتبة تقارب منزلة الدين، لكن بطريقتهم الخاصة. نحبهم لأنهم يخافون من النظام والقانون. نحبهم لأنهم يصرّون على الحديث عن الديمقراطية التي لا يملكون حتى أبجديتها، ويملكون الحماسة لها بمراهقة بالغة، ويتوترون حين نلفت انتباههم إلى تجاوزها. نحبهم لأنهم لا يلقون بالاً لما يقوله الشعب. نحبهم لأننا نعلم جيداً ما يفكرون فيه، وحين يتكلمون فإنهم يقولون ما كنا نتوقعه منهم. نحبهم لأنهم لم يفكروا أبداً في تعذيب أنفسهم بأن يعانوا من المواصلات العامة أو مطالبة أبنائهم لهم بالرسوم الدراسية أو المصروف اليومي. نحبهم لأنهم يفكرون نيابة عنا. نحبهم لأن مواطناً عادياً لا يقرأ ولا يكتب يمكنه أن يغلبهم حين يتحدثون عن الدستور والقانون واليمن الجديد. نحبهم لأنهم يعيشون المتناقضات، ولا يمكن أن نستثني من ذلك الأحزاب القومية والدينية والوسطية واليسارية. نحبهم لأنهم يحاولون بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة إقناعنا بأنهم يعملون من أجلنا. نحبهم لأن الهاجس الأكبر عندهم هو السلطة والمسئولية، وعندما يصلون إليها فهم يحاولون ألا يكونوا مسؤولين بالقدر الكافي. نحبهم لأنهم يظهرون حماسة بالغة عند الحديث عن أشياء تتسم بالتفاهة، لكنهم لا يبدون أدنى شعور بالذنب حين يتعلق الأمر بالوطن. نحبهم لأنهم رغم كل مزاعمهم، لا يمكنهم العيش دوننا. وإذا كانت هناك من كلمة أخيرة أوجهها إلى أولئك الذين مازالوا يحلمون بيمن جديد خالٍ من الفساد والفهلوة؛ عليكم أن تناضلوا من أجل صياغة التفكير العلمي بوصفه ركيزة المستقبل. وعليكم أن تتجهوا إلى المحكمة الدستورية لمقاضاة أولئك الذين صادروا الحق الديمقراطي واستسلموا للحلول الصعبة ليخلقوا مناخاً منظماً من التجاوزات الذي يعكس عدم جديتهم ومصداقيتهم في بناء الوطن. إنني أتحدث هنا عن الحق والتعبير واحترام حقوق الغير والقدرة على التمييز بين ما هو مشروع وجائز وبين ما هو محظور وغير مباح. أتحدث هنا عن حاجتنا لثقافة مجتمعية جديدة على أساس الحقوق والواجبات والفهم الصحيح لمعنى الحرية التي تبدأ بالاحترام الكامل لحق الشعب ومراعاة مصالحه قبل أي اعتبار آخر. ولم أكن في سطر واحد مما كتبت خارج إطار ما هو في قدراتنا وإمكانياتنا الذاتية التي أظن أنها كثيرة وكافية وتتطلب فقط مجرد إرساء دعائم القانون. وجعل رجل الضرائب والمرور والتخطيط والأمن يعملون من أجل الوطن؛ وليس من أجل أنفسهم، وإذا لم يكن ذلك فإننا نكون قد حكمنا على المستقبل بالإعدام.!