قاع جهران، هو سلة الغذاء لليمن؛ يمتاز بخصوبة أرضه وجودة منتجاته الزراعية المختلفة، لم يحصل أن احتاجت بلادنا للاستيراد من الخارج محصول البطاطس أو بعض محاصيل الحبوب في ظل قيام هذا القاع الخصيب بدوره الهام في تغطية السوق المحلية بما تحتاجه من طماطم وبطاطس وخضروات وحبوب. إلا أن الواقع اليوم الذي أصبح عليه قاع جهران يحكي خلاف ما كان عليه الوضع قبل سنوات، حيث استشرت زراعة القات وعلى نطاق واسع في قلب قاع جهران، والكارثة أن ذلك على حساب المحاصيل الزراعية التي يشتهر بزراعتها هذا القاع، حيث تحول القاع إلى مستوطنة خاصة بزراعة القات؛ تزداد مساحتها يومياً وسط عزوف منقطع النظير للمزارعين عن مواصلة نشاطهم الزراعي؛ واعتمادهم على زراعة القات بدرجة أساسية. وهو ما أدى إلى تراجع نسبة إنتاج قاع جهران من المحاصيل الزراعية وفي مقدمتها محصول البطاطس، ما استدعى الحكومة باستيراد هذا المحصول من جمهورية مصر العربية لتغطية العجز الذي تعانيه السوق المحلية نتيجة عدم تناسب حجم الاستهلاك المحلي مع حجم الإنتاج. ولعل هذا الوضع الخطير هو ما عبّر عنه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح خلال زيارته الأخيرة لمحافظة ذمار عندما أعطى توجيهاته بشأن منع زراعة القات في القيعان والأودية الزراعية واقتلاع أشجار القات الموجودة على امتداد الطريق العام صنعاءتعز والتي تشوّه المنظر الحضاري لبلادنا أمام الزوار والضيوف وذلك كمرحلة أولى لاقتلاع هذه الشجرة الخبيثة نهائياً. وتنفيذاً لهذه التوجيهات دشن اللواء يحيى العمري، محافظ ذمار عملية اقتلاع شجرة القات في منطقة واسطة التي تتوسط قاع جهران، وهو الحدث الذي حظي بارتياح واسع في أوساط المواطنين الذين تأثروا كثيراً جراء استفحال زراعة القات. وفي المقابل قوبل بسخط واستهجان مزارعي القات الذين وصفوا هذا التوجه بالقرار التعسفي، مطالبين بجملة من المهام التي يرون أن الحكومة ملزمة بتنفيذها إذا ما أرادت فعلاً توجيه المزارعين نحو اقتلاع أشجار القات والعودة إلى زراعة المحاصيل الزراعية وفي مقدمتها العمل على تقديم المزيد من أوجه الدعم والرعاية للمزارعين، وتشجيعهم على زراعة المحاصيل النقدية والحبوب والخضروات من خلال منحهم القروض والمساعدات المالية والزراعية اللازمة، وتقديم برامج الإرشادات الزراعية، وتزويد المزارعين بوسائل الري الحديثة، ورفدهم بالبذور المحسنة لضمان إنتاجية فائقة الجودة، والعمل على ضمان آلية تسويق حديثة من شأنها ضمان تحقيق المزارعين مردودات مالية جيدة لا تقل من الإيرادات التي يحصلون عليها من وراء زراعة القات تفادياً لمشكلة كساد المنتجات الزراعية وتعرضها للبوار، وهو ما يكبد المزارعين خسائر مادية باهظة. وكلها مطالب وتوجهات تضمنها البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، وينبغي للحكومة العمل على سرعة تنفيذها من أجل أن ينعم الوطن بانعكاساتها الإيجابية على الاقتصاد الوطني والمستوى المعيشي للمواطنين المشتغلين في النشاط الزراعي. وأنا هنا أتطلع إلى أن يكون أبناء قاع جهران القدوة وأصحاب المبادرة لبقية المناطق التي تزرع القات على حساب المحاصيل الزراعية في اقتلاع هذه الشجرة التي أنهكت هذا القاع الخصيب من خلال استنزاف المياه الجوفية في ري القات وبكميات هائلة، ما أدى إلى جفاف العديد من الآبار الارتوازية في ظل انحسار نسبة المياه الجوفية؛ وهو ما يهدد الحوض المائي لقاع جهران بالجفاف، علاوة على ما تحدثه زراعة القات من دمار للتربة الخصبة التي تمتاز بها جراء الاستخدام المخيف والمرعب لأخطر المبيدات الكيماوية الفتاكة التي يتم رشها مباشرة إلى أشجار القات أو عبر مياه الري؛ وهي مواد خطرة تفتك بالإنسان وبالتربة، وتؤدي إلى انتشار الكثير من الأمراض الفتاكة ومنها السرطان والجلطة الدماغية وأمراض الكبد والجهاز الهضمي، والتي تؤكد الفحوصات المخبرية التي أجريت للكثير من الحالات المرضية المصابة بالأمراض السالفة الذكر أن المبيدات الكيماوية المستخدمة في زراعة القات هي السبب الرئيس في الإصابة بها. وهو الأمر الذي يدفع بنا إلى مباركة هذا التوجه الاقتصادي والتنموي الجاد والمثمر الذي سيسهم في عودة الزراعة إلى سابق عهدها قبل غزو زراعة القات واستفحالها على حساب زراعة الحبوب والخضروات؛ وهو ما يتطلب وعياًَ من قبل المزارعين بمخاطر وأضرار زراعة القات، والتعاطي بمسئولية مع التوجهات الحكومية الرامية إلى منع زراعة القات في القيعان والأودية الزراعية، كونهم المعنيين بذلك وهم في مقدمة المستفيدين من انعكاساتها الإيجابية التي تمكنهم من إحداث نهضة زراعية هائلة تعود عليهم وعلى الوطن بالخير الوفير. وذلك لن يتسنى إلا إذا ما أوفت الحكومة بالتزاماتها وتعهداتها ذات الصلة بدعم وتشجيع وتحفيز المزارعين على الزراعة، وهو ما نأمله ونتطلع نحو تحقيقه في القريب العاجل إذا ما أردنا الخلاص من شجرة القات في القيعان والأودية الزراعية وإلى غير رجعة.