لا شك أن الفوضى في تنفيذ المشاريع ببلادنا قد وصلت إلى مرحلة تحوّل معها الأداء إلى تدمير للبنية التحتية.. فوزارة الطرق والأشغال تنفذ سفلتة بمئات الملايين؛ لتأتي الكهرباء أو المياه أو التلفونات لتخرب ما قامت به هذه الوزارة أو تلك!!. ولا يوجد تنسيق أو تخطيط بين هذه الجهات ليظهر الأمر على هيئة وشكل الفساد الذي عرّفه البنك الدولي بأنه أحد أكبر العوائق التي تقف أمام مسيرة التنمية من خلال تشويه القوانين أو التحايل عليها. من المعلوم أن الفساد لا يرتبط فقط بوجود الموظف المفسد؛ وإنما ينتج عن عدم التنسيق بين الوزارات والمؤسسات بعضها البعض مما يمكّن المفسدين من الاستمرار بسلوكياتهم المدمرة للمجتمع. أعتقد أننا نحتاج إلى مثل هذه الوزارة لكي نحد من هذه الفوضى السائدة ونتبنى معايير النزاهة في ما يتعلق بأخلاقيات المهنة، تلك التي تضع المصلحة العامة فوق المصالح الذاتية الضيقة وتهتم بقضية الكفاءات. والتأكيد على قيم النزاهة في العمل والتعاون في تقديم النموذج الإيجابي للأداء الصالح، واعتماد الشفافية في العمل حتى نضمن عدم هدر المال العام والقضاء على الفساد الإداري البيروقراطي الذي يتجلى خصوصاً في تبديد الوقت والإهمال وعدم المتابعة والامتناع عن المكاشفة. ستكون مهمة هذه الوزارة هي تطوير عمل الوزارات والمؤسسات؛ وتقديم الخطط المتكاملة والسعي إلى تقديم برامج للعمل ومناهج للتنفيذ وتقديم المشورة. ورفد القطاع العام والخاص والمجتمع المدني ورجال الأعمال بالخبرات الضرورية من خلال مساعدتها في التدريب والتأهيل وتنظيم دورات وورش عمل مشتركة، والاستفادة من منجزات العلم والتكنولوجيا. إذ أن مهمة الدولة هي إدخال السعادة إلى حياة المواطنين؛ وخاصة بعد ما حدث من تغيرات لحقت بالشخصية اليمنية، أبرزها ظواهر العنف والتوترات المتبادلة في التعامل بين أفراد المجتمع، أو حتى بين المؤسسات؛ والإحساس بالإحباط، فالسعادة والتعاسة هما شعور جماعي وليسا ظاهرة فردية. فنحن نرى شعوباً سعيدة بأكملها، ونرى بالمثل شعوباً تعيسة، وقد سبق للفارابي أن حدد الهدف العام للدولة قبل مئات السنين عندما اعتبر أن مهمة الدولة هي تحقيق الشعور بالسعادة. وهو نفس المفهوم الذي نصّ عليه في إعلان الاستقلال الأمريكي الذي ذهب إلى حق كل مواطن في الحياة والحرية وطلب السعادة. وأعتقد أن حكومة بلادنا من أهدافها الارتقاء بحياة هذا الشعب، والارتقاء بمستوياته المعيشية، ورفاهيته، تعليمياً، وصحياً، وثقافياً، وسلامته، واستقراره، وأمانه داخلياً وخارجياً. وهذه الأهداف هي المحققة للسعادة؛ وتسعى كل الدول إلى خلق شعور بالرضا لدى المواطن تجاه الأوضاع التي تحيط به وبحياته اليومية. إذاً السعادة مهمة في تحقيق الاستقرار، وهي لا تتحقق عندما لا يستطيع المرء أن يحقق ذاته، وعندما لا يعترف المجتمع بقدراته وبتفوقه، وعندما لا يستطيع شغل المكان الذي تؤهله له قدراته. السعادة تتوفر عندما يشعر الإنسان بأن إرادته حرة، فهي مثل شمعة يضيئها أمل محسوس في تجاوز الظلام، فإذا عُدم الأمل حلّ الإحباط وانعدمت الحياة. ولا أغالي إذا قلت إننا شعب أصبحنا في الآونة الأخيرة نعاني اكتئاباً جماعياً بسب المؤثرات الاجتماعية والمنغصات المعيشية اليومية. وبسبب التعنت من جانب أجهزة التعامل اليومية، ونقص الخدمات، واستشراء ظاهرة الفساد واتساع نطاقها، والشعور بالمخاطر التي تحدق بالوطن. نحن بحاجة إلى الدراسات النفسية لدراسة الانكسار النفسي، نتيجة العجز عن مواجهة تعدي بعض القوى على هيبة الدولة وسيادة القانون وانتهاك الكرامة الوطنية، فذلك كفيل بخلق الشعور الجماعي بالإحباط وعدم الاكتراث بالقضايا الوطنية. ولست أدري كيف أطلب من علماء السياسة وعلماء النفس السياسي في بلادنا - وهم غير موجودين أصلاً - أن يقوموا بدراسات على المجتمع ويقدموا هذه الدراسات إلى صانع القرار السياسي ليدرك أهمية ربط السياسة بالسعادة؛ وهو أمر مهم لأنه يتعلق بالقبول العام لهذه السياسة. إن دول الغرب جعلت من نفسها تتحمل المسئولية تجاه أي مواطن له حالة مزاجية غير مستقرة، ونحن في أمس الحاجة إلى ذلك وخاصة في ظل تلك المؤثرات الخارجية التي أصابت كثيراً من جوانب الحياة بسب ثورة المعلومات وتراجع الفواصل على الحدود والتي أدّت إلى تغيرات هائلة في الحالة المزاجية لدى الشعب اليمني. أستطيع أن أقول: إن وجود مثل هذه الوزارة مهمة استكمالاً لدور متصل في خدمة قضايا التنمية وتحت مظلة الإيمان المطلق بخدمة المواطن وبصدق الرغبة في التجاوب مع أي جهد يصب في اتجاه محاربة الفساد. وانتهاج سياسة حل النزاعات بالطرق السلمية بدلاً من الدخول في دائرة العنف التي تفتح الأبواب أمام لعبة إطالة أمد التخلف بهدف التربّح منه. سيكون لهذه الوزارة دور وقائي يقلل من الوقوع في الفساد ويقلل من النزاعات المحتملة. بالتأكيد السلطة في بلادنا سلطة حافظة للحقوق؛ وملتزمة بالمعاهدات الدولية ومنها الشفافية ومكافحة الفساد وإرساء دعائم الحقوق الإنسانية، وهي لن تفرّط بحقوق المواطن في السعادة.