أعادت حادثة اختطاف سائحين هولنديين في منطقة بني ضبيان ملف الاختطافات الأسود إلى الواجهة، خصوصاً أننا كنا نعتقد أن الحوادث التي طالت السياح الأجانب خلال الفترة الماضية قد أحدثت رد فعل واجراءات أمنية وعقابية وقانونية صارمة ورادعة. وكانت قناة العربية الفضائية قد عرضت يوم الجمعة الماضية وفي برنامجها الأسبوعي «صناعة الموت» تناولت ظاهرة اختطاف وقتل السياح الأجانب في عدد من الدول العربية من قبل تنظيمات متطرفة، ومن ذلك اليمن التي تعد ذات خصوصية بحكم أنها ذات شقين، الأول يتعلق باختطافات من قبل رجال القبائل والغرض منها الضغط على الحكومة لتلبية مطالب معينة سواء فدية أو مشاريع أو الافراج عن سجناء هذه القبيلة أو تلك. والشق الثاني يتعلق بحوادث خطف وقتل السياح الأجانب من قبل جماعات متطرفة وهو الشق الذي بدأت أولى عملياته من قبل ما كان يعرف بجيش عدنأبين الاسلامي بزعامة المحضار والذي نفذ العملية الأولى في نهاية العام 8991م في أبين وقتل خلالها عدد من السياح البريطانيين والاستراليين. وبالنظر إلى أن قطاع السياحة في اليمن برغم كل الضربات القاصمة خلال السنوات الماضية لازال يقدم نحو تسعين ألف فرصة عمل، فضلاً عن عائدات بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، وهي أرقام مرشحة لأن تتضاعف كثيراً إذا ما توافرت المناخات الآمنة والمستقرة، فإن استمرار هذه الظاهرة يعد جريمة كبرى، وتساهل وتغاضي المجتمع عن الخاطفين أكانوا قبليين أو متطرفين يمثل خيانة عظمى للوطن ومصالحه واقتصاده. ونحن نعرف أن وزارة السياحة تعمل سنوياً خططاً استراتيجية لإنعاش هذا القطاع الحيوي وترسم وتنفذ برامج ترويجية في الخارج، خصوصاً في العواصم الأوروبية والغربية أكان ذلك عبر ريبورتاجات دعائية أو إقامة معارض يمنية في ميلانو وباريس ولندن وغيرها والمشاركة في معارض دولية هامة ويتم خلال ذلك كله تعريف السياح ومكاتب السياحة والسفر في هذه البلدان بما تتميز به اليمن من مقومات سياحية نادرة كونها بلداً ذا تاريخ وحضارة عريقة ويكتنز الكثير من المعالم الأثرية والسياحية والطبيعة الخلابة، وكانت تلك السياسات والبرامج الدعائية والترويجية تؤتي ثمارها وتدفع الكثيرين من السياح الأجانب الباحثين عن التاريخ والتراث إلى السفر إلى اليمن. غير أن عمليات الخطف كانت تنسف كل ذلك وتعيدنا إلى نقطة الصفر وربما ماقبل نقطة الصفر...فهل يجوز أن تضرب ثروة قومية وعشرات الآلاف من الفرص الوظيفية بسبب عملية خطف نفذتها قبيلة مثلاً للحصول على مشروع طريق أو فدية مالية لا تتجاوز عشرين أو أربعين مليون ريال على سبيل المثال. إننا أمام ظاهرة تتطلب المعالجات الناجعة وفي مقدمتها الأمن السياحي أو الشرطة السياحية على غرار ما قامت به دول عربية أخرى وكان لذلك مفعوله في ضبط الظاهرة والحد منها.. صحيح أن لذلك كلفة باهظة لكن تظل أهون من الكلفة الفادحة التي يدفعها الاقتصاد الوطني جراء اختطافات وقتل السياح. والجانب الآخر يتصل بالتوعية الإعلامية التي ينبغي أن تقوم بها كل وسائل الاعلام سواء الحكومية أو الأهلية أو الحزبية ، وهذه النقطة هامة جداً كوننا ندرك أن عمليات الخطف والقتل أحياناً للسياح الأجانب تتم عادة في مناطق محددة ومعروفة بنزعتها الشديدة لمخلفات الجهل والموروث القبلي المختلف، أو مناطق كانت محل استقطاب ومنطلق وحاضنة للجماعات والعناصر المتطرفة. ولاشك أن أهم من الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الاعلام هو ذلك الدور الذي يمكن أن تقوم به منابر المساجد, كونها القنوات الأهم القريبة من كل الناس والتي يستقي منها المواطنون البسطاء المعلومات والارشادات والمعتقدات ويكون لخطابها مفعوله الناجع كونه ينطلق من القدسية الدينية. [email protected]