جاء الإسلام الحنيف والعرب قبائل متناحرة لا تمثل رقماً صحيحاً بين الأمم فيما كانت فارس والروم تسودان العالم القديم وتستعمرانه، وبرغم الحرية الظاهرة التي كان العربي يعيشها باختيار حَلّه وترحاله داخل جزيرة العرب إلا أنه يصبح عبداً أسيراً عند نشوب أصغر حرب بين قبيلتين وما أكثرها وأسرع نشوبها.. لم تكن الوحدة هماً لدى العربي الجاهلي لا في إطار قبيلته ولا أسرته الصغيرة، لذا لم ينعم العرب بمعنى السكينة والطمأنينة إلا عندما ظهر الإسلام الذي وفر رابطاً قوياً وسبباً هاماً لقيام الوحدة بين العرب.. فالإسلام في حقيقته دعوة للتوحد والمساواة والعدل، ومفهوم الوحدة فيه يتعدى الإطار القومي إلى الإطار الإنساني، ولكنه مع ذلك لا يلغي الشعور بالانتماء إلى القومية، بل جعل هذا الانتماء مركز انطلاقة إلى تحقيق وحدة أممية عقيدتها الإسلام.. بهذه الروح استطاع الإسلام في أقل من قرن أن يصل إلى كل قارات العالم القديم، وأصبحت رقعته الجغرافية تغطي أكبر مساحة على وجه الأرض.. لم تكن تلك الروح بقوة شخص أو أشخاص أو قوم أو أقوام وإنما كانت من روح الله عز وجل الذي دعا عباده إلى التوحد ونبذ الفرقة.. قال تعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون» ، وقال تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، والمتصفح لكتاب الله يجد آياته تدعو إلى الوحدة ولزوم الجماعة، وكذلك الحديث الشريف، فقد قال عليه الصلام والسلام: «يد الله مع الجماعة»، «وإنما يأكل الذئب مع الغنم الشاردة».. وقد وعى المسلمون الأوائل هذه المعاني وعياً تجسد في دفاعهم بالغالي والنفيس عن وحدتهم ودينهم فكانت حروب الردة التي استشهد فيها خيرة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. ولم يصب المسلمون والعرب بانتكاس أو ضعف إلا عندما تخلوا عن الدفاع عن وحدتهم ودينهم وتمكن المستعمرون من ايجاد فصل بين وحدة الأمة ومعتقدها، فكانت فترة الانحطاط طويلة بطول الوهن والضعف والتخلي عن الوحدة. ولما بدأت الأزمة تستفيق على أصوات المفكرين والدعاة بضرورة عودة الوحدة بين أجزاء هذه الأمة المتنافرة والتي أصبحت دويلات لا حول لها ولا قوة، ولد أمل جديد بإعادة الوحدة وتحرك دعاة القومية العربية في كل اتجاه يدعون إلى الوحدة، وقامت وحدات بين دول عربية على أساس المشروع القومي الناهض، غير أن تلك الوحدات باءت بالفشل، لكنها لم تقتل الحلم الوحدوي بفشلها، بل زادته توقداً وزادت الأمة تمسكاً به.. لقد غفل القائمون على المشروع القومي عن مسألة الايديولوجية التي تمثل ركيزة لأية وحدة وحاذروا الاقتراب من الإسلام لقرب العهد بالخلافة العثمانية التي كانت تحكم باسمه، وعندما لم تجد بديلاً عنه اتجهت إلى الاشتراكية ، فقامت الاتحادات الاشتراكية في دول عربية عدة، وكان يؤمل أن تقود هذه الاتحادات تلك الدول إلى الوحدة العربية حلم الجماهير.. لكن وللأسف لم تتمكن اشتراكية دجلة والفرات، واشتراكية وادي النيل من الالتقاء على كلمة سواء تحقق حلم الأمة في الوحدة، لذا فقد تحول معظم المنظرين إلى الأممية الاشتراكية السوفيتية والتي انتهت بنهاية الاتحاد السوفيتي ليست كنظرية وإنما كنموذج. . وفي ظل هذا التمزق أقدم اليمنيون على خطوة كانت تجسيداً حقيقياً لحلم الوحدة العربية ولم تكن فرحة الأمة بهذه الوحدة خافية فقد باركها العرب والمسلمون باعتبارها الحلم الذي أضاء ليل التمزق والتشتت.. هذا الحلم الواقع يحاول اليوم البعض وهم قلة تفكيكه تحت ذرائع واهية لاتقنع أحداً، ومن المؤكد أن خطتهم ستبوء بالفشل الذريع بإذن الله، إلا أنه لايجب التهوين من هذه الدعوة نظراً لخطورتها، كما لايجب التهويل بها وإقلاق راحة الناس وبث روح اليأس فيهم، لكن هنالك مسئولية تنتظر كل يمني وكل عربي وكل مسلم وهي مسئولية الذود والدفاع والحفاظ على هذه الوحدة، لأن إصابتها بأي ضرر سيكون له انعكاسات خطيرة جداً على المدى القصير والطويل وربما أحبط وأيأس كل حر يرى في الوحدة قوته وذاته.. اليوم لا يعفى أحد من اتخاذ موقف تجاه ما يحدث، واللامبالاة التي يبديها البعض اليوم هي سلبية غير مقبولة تتنافى مع خلق المسلم الذي إذا رأى منكراً غيره بيديه أو بلسانه.. كما تتنافى مع الوطنية التي من حقوقها الدفاع عن الوطن ووحدته، إنها مسئولية الجميع فليتحمل كل مسئوليته التي سيسأل عنها ولاشك اليوم وغداً يوم الحساب.. ونحن اليوم إذ نحتفل بالعيد التاسع عشر لوحدتنا المباركة فإننا ندعو المولى عز وجل أن يحفظ وحدتنا ووطننا من كل سوء وأن يحبط مخططات التخريب والخذلان.. وكل عام وأنتم بخير.