لا يوجد لدى الآخرين قدرة مثل قدرات اليمنيين على تقديم مبادرات لحل أزماتهم وأزمات غيرهم.. وللأسف فإن هذه المبادرات تطوى بمجرد الإعلان عنها ليبدأ الآخرون بالبحث عن مبادرات جديدة حتى وإن كانت هذه المبادرات تنطلق من حسن نية لدى بعض الأطراف، إلا أنها تدفن سريعاً لأن كل طرف يعتقد أن مبادرته هي الأفضل والأكمل. وخلال السنوات القليلة الماضية سمعنا وقرأنا مبادرات لا حصر لها؛ لعلاج الوضع الداخلي المحتقن بخلافات السياسيين. مع أنه من الأولى أن نفرمل من تناسل هذه المبادرات ونبدأ بدراسة مبادرة وطنية شاملة تنزع هذا الاحتقان القاتل الذي يمكنه تدمير كل شيء. للأسف ليس هناك أسهل من إطلاق المبادرات، كما أنه ليس هناك أسهل من رفض هذه المبادرات؛ فقد تعودنا أن نرفض كل شيء حتى وإن كان ذلك يمكن أن يخدم مصالحنا كأفراد ومؤسسات سياسية ومصالح اليمن ككل. ومؤخراً قدم الجميع ممن هم في السلطة والمعارضة سيلاً من المبادرات السياسية لمعالجة الوضع القائم، تصب جميعها باتجاه الحوار، فالمعارضة تطالب بالحوار. والحزب الحاكم يطالب به كذلك، والرئيس لا ينفك ينادي في خطاباته منذ سنوات أن لا حل لمشاكلنا التي نعاني منها سوى الحوار. لكن الحوار لم يبدأ، ويبدو أنه لن يبدأ مع استمرار أطراف الحياة السياسية بالتمترس خلف مواقفها الحدية من الحوار ومن القضايا المطروحة على طاولة الحوار، وحتى إن بدأ فإن كل طرف يريد أن يخضع الطاولة لرأيه وتغييب رأي الآخر. اليمنيون بطبعهم، خاصة السياسيين منهم، لا يريدون أن يظهروا أنهم هزموا في الحوار، ويعتبرون أن التنازل لبعضهم البعض هو هزيمة لا يجب التسليم بها، مع أنهم يمكن أن يفوزوا بوطن موحد قادر على مواجهة التحديات التي تواجهه اليوم وفي المستقبل. نحن نحتاج إلى نظرة مختلفة لبعضنا البعض، فاليمن كبير ويحتاج إلى أكثر من رؤية وأكثر من رأي، ولا عيب في الاستماع لبعضنا البعض وأن نفكر بصوت عالٍ، بعيداً عن التكفير والتخوين ورمي البعض بالانفصال والآخر بالجهل والتخلف، لأن مثل ذلك يقود إلى مزيد من الاحتقان والتعصب للرأي حتى وإن كان رأياً غير صحيح. هل نبدأ بالحوار الجاد للعثور على مخرج حقيقي يخرجنا من الدوامة التي نعيشها منذ سنوات ليست قليلة، هل نعترف أصلاً أن هناك أزمة تحتاج إلى حلول، أم سنظل ندفن رؤوسنا في الرمال انتظاراً لحل قد يعصف بمستقبلنا كله؟!.