كلما اعتقدنا أن السياسيين اقتربوا من بعضهم البعض، كلما ابتعدوا أكثر وأكثر، وكلما اعتقدنا أن مشاكل البلد وتعقيداتها التي تبرز أمامنا المتمثلة في حرب صعدة وفي احتجاجات الجنوب ومخاطر القاعدة، يمكن أن تكون عاملا مساعداً للوصول إلى حل مرضٍ؛ كلما كانت هذه المشاكل مدعاة للتباعد والتنافر أكثر وأكثر، يتساوى في ذلك السلطة والمعارضة على السواء، ومن يسير في فلك الطرفين من منظرين وشخصيات سياسية وحلفاء قبليين ومنظمات مجتمع مدني وغيرها؛ إذ أنه عوضاً عن الجلوس إلى طاولة حوار للوصول إلى حلول جذرية لما نعانيه اليوم من أزمات صار الطريق إلى هذا الحل ملغوماً. ولم أفهم قرار البرلمان الأخير بإجراء الانتخابات في بعض الدوائر الانتخابية الشاغرة، رغم توقيع الأحزاب السياسية على اتفاقية فبراير الماضي، والمتضمنة الاتفاق على إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، إلا بكونه قراراً يزيد من عمق الأزمة المتأزمة أصلاً بين فريقي السلطة والمعارضة على السواء، ولم أفهم من موقف المعارضة الذهاب إلى القاهرة وبيروت لإجراء مشاورات وحوارات مع بعض الأطراف السياسية، إلا بكونه هروباً من الحوار في الداخل، بصرف النظر عن التبريرات التي يمكن أن تسوقها المعارضة بكون الحاكم غير جاد في الحوار أم لا. لا أعتقد أننا بهذه الطريقة يمكن أن ننجح في معالجة مشاكلنا الداخلية -وما أكثرها!- فالطرفان يعيان جيداً أن التباعد في الآراء والمواقف يجعل إمكانية التوصل إلى حلول واقعية غير ممكنة في ظل التجاذب السياسي القائم بين الطرفين منذ سنوات، ولا يمكن أن تكون النوايا الحسنة قادرة على ردم الهوة القائمة بينهما؛ فمع مرور الوقت يتحول الحوار إلى وسيلة إضعاف لا قوة لدى شركاء الحياة السياسية كافة، فالحوار لم يعد يستخدم كوسيلة لتقوية الجبهة الداخلية بقدر ما صار يستخدم كورقة إضعاف من طرف ضد طرف آخر، وهو بهذه الطريقة صار حواراً ملغوماً. المطلوب من طرفي الحياة السياسية ومن يتخندق معهما البحث عن وسائل تجعل المواطن يشعر أن اليمن غالٍ على الجميع، وأن بالإمكان، بل ومن الضروري، أن يتنازل كل للآخر، عوضاً عن التمترس خلف المواقف الحدية التي يتمسكان بها، والتي تجعل من إمكانية التوافق هدفاً بعيد المنال. ما الذي يضير الأحزاب السياسية في التوصل إلى اتفاق سياسي واضح يكون ملزماً للجميع، بحيث لا يتهرب أحد من استحقاقاته؟، اتفاقا ينقل البلاد من مربع الأزمة التي تعيشها اليوم إلى مربع آخر عنوانه الاستقرار السياسي، الذي يمكن أن يجلب معه الاستقرار الاقتصادي، ويجنب البلاد الدمار الحاصل في النفوس اليوم من دون أن تكون لدينا قدرة على لجمه نهائياً.