المجلة الفكرية المعاصرة تواجه من التحديات ما يتجاوز الحديث العابر.. إنها تحديات لا تحتكرها المجلة الثقافية التنويرية فحسب بل تتشارك معها فيه بقية المطبوعات مع اختلاف في الحظوظ والقابليات. فالمجلات الاجتماعية التي تعتمد بدرجة كبيرة على الصورة في وضع أفضل نسبياً تستطيع أن تقدم معادلاً بصرياً جذاباً .. بالإضافة إلى طبيعة الخطاب الإعلامي الذي تنشره مثل تلك المجلات والذي يصب غالباً في مجرى ثقافة الاستهلاك السهلة والمواتية للغالبية العظمى من القراء والمشاهدين المستمتعين بالإعلانات المطبوعة وغيرها من الأوهام الواقعية في حياتنا اليومية . لا تستطيع المجلة الفكرية والأمر كذلك أن تتخلى عن طبيعتها الخاصة وكونها نخبوية تهتم بنشر عيون الكلام سواء كان في الفلسفة أو النقد أو الدراسات أو الآداب المختلفة, ولأنها كذلك فلابد أن تضع بعين الاعتبار فضاءاتها الخاصة وكونها ضرورة لقطاع من المهتمين والقراء .. كذلك ليس أمام المجلة الفكرية أن تتخلى عن حوارها البناء مع قرائها وأن تعتمد أرقى وسائل المهنة الطباعية والتحريرية والإخراجية بحثاً عن تقديم أفضل الأفكار بأسلس الطرق . هذا يجرنا إلى إشارة هامة تتعلق بالحالة التي آلت إليها جل المجلات الفكرية الثقافية العربية غير المدعومة؛ حيث نجد أن تلك المجلات لم تتمكن من الصمود أمام عواصف الوسائط المتعددة ومحاصرتها للمطبوعات المختلفة وجرجرت الكثير من المطبوعات الرصينة إلى ثقافة الاستهلاك وإعادة إنتاج المنتج . لقد شهدت الساحة العربية الكثير من المحاولات الباحثة عن إنقاذ الخطاب المعرفي التنويري من براثن الانتشار السريع والكاسح للمطبوعات السهلة الجميلة .. ولأن تلك المحاولات كانت مقرونة بالحفاظ على طبيعة المجلة الثقافية جاءت النتائج في الغالب الأعم غير مرضية مما أوصل المطبوعات الأكثر شهرة إلى الانحسار والتلاشي أمام الكم الكبير من المطبوعات العامة ذات الألوان القزحية والكتابات اليومية . إن هذه الحقائق تضع القائمين على أمر المجلة الثقافية في تحديات متجددة حيث لابد من اعتماد رؤى جديدة تساعد هذه المطبوعات على استعادة العافية والخروج من عنق الزجاجة التي وضعت نفسها فيه أو كانت الظروف سبباً فيه. ولن يكون هذا الأمر متاحاً إلا بالعمل على تحرير التحرير وتحرير الإخراج وتحرير الأبعاد المرتبطة بالتوزيع والإعلان والترويج وغيرها من مدخلات . يعتقد البعض أن تحرير هذه العوامل ستضع المجلة الفكرية في موقع المجلات العامة وأنها ستخسر رسالتها وهويتها .. وبالرغم من وجاهة هذا الرأي إلا أن التجربة القادرة على الإمساك بالهوية والخطاب المعرفي مع إتاحة الفرصة للبعد الآخر قد تنجح . ولعلها ستنجح بالفعل . إذاً فلابد من الفعل وانتظار النتائج ففي ذلك ألف خير .