تواجه المجلة الثقافية المعاصرة تحديات مُشابهة لتلك التي تحاصر المطبوعات على وجه العموم، غير أن الصحيفة اليومية تمكّنت من المناورة على تلك التحديات من خلال علاقتها الوثيقة بالمكان والزمان، وتفاعلها الكبير مع الخدمات الصحفية المعلوماتية، والإعلانات التجارية الحريصة على أن يكون لها في كل جدار منفذ، وفي كل معسكر قدم، فجاء الإعلان التجاري على حساب الخطاب، لكنه جاء أيضاً لصالح المطبوعة اليومية والاسبوعية لأنه الضامن الأكبر لتدوير آلة الإنتاج في تلك المطبوعات.. ويختلف الأمر بالنسبة للمجلة الثقافية الموجهة بطبيعتها للنخبة، والتي بطبيعتها أيضاً لا تثير شهية المُعلنين، ولهذا السبب تراجعت المجلات الثقافية في عموم العالم العربي، فتوقف جُلّها عن الصدور، وبقيت قلة قليلة.. وعلى خط مُتّصل جاءت الوسائط المتعددة، والصحافة الالكترونية بتنوع أشكالها ومحتوياتها لتُمثل تحدياً جديداً ومُتجدداً، مما حدا بالمجلات الثقافية إلى التأسّي بهذه الوسيلة السحرية لتوسّع من دائرة القراء، ولتخلق بيئة تفاعل رقمية تساعد على انتشار دائرة خطابها الفكري المعرفي. كثير من المُلتقيات والتداولات الخاصة بالمجلة الثقافية توخّت الوقوف تحديداً على ثنائية المجلة الورقية والالكترونية، بحثاً عن استقراء هذه الحقيقة، والنظر إلى امكانية تجسير الهوة “الافتراضية” بين المستويين، والاستفادة القصوى من تعددية أشكال إيصال الرسالة، فالمجلة الورقية يمكنها أن تتقمّص أشكالاً مُتعددة، وأن يصبح الجهد المبذول في النسخة الورقية مُتعدد الأهداف والأنماط، ودونما تخلٍ عن المتن الأصلي للمجلة. فتحت الوسائط المتعددة أبواباً واسعة للخيارات والتطوير، وعلى المجلة الثقافية المعاصرة أن تشق طريقها في هذه الدروب، فالمسألة لم تعد خياراً متاحاً، بل ضرورة موضوعية تتصل ضمناً بمزاج القراء، وحيرتهم العملية أمام المؤثرات المتنوعة.. القاعدة الراسخة لفن التحرير المعاصر للمجلة يترابط عضوياً مع التحرير الفني، فدون رؤية متكاملة للتحرير بشقيه النصِّي والفنِّي تُصبح المجلة بجناحين غير متوازنين. التحديات التي تقف أمام المجلة الثقافية العربية تجد لها مُبادرات موازية بهذا القدر أو ذاك، والاجتهاد المضني والمتصل أصل أصيل في المعادلة، والشاهد هو أن عشرات المجلات الثقافية العربية مازالت حيّة ترزق، بل تنال إقبالاً مؤكداً من قبل نخب الثقافة العالمة والمتوسطة والعامة. [email protected]