من يتابع نشرات الأبحاث العلمية، عبر وسائل الإعلام المتاحة يصاب بحالة من الاحباط والدهشة والذهول، فالاحباط بسبب حالة التخلف المريع الذي تعيش فيه شعوب الأمتين العربية والإسلامية.. وأما حالتا الدهشة والذهول فلهذه الثورات الصناعية والرقمية والتكنولوجيا ولذلك الكم الهائل من براءات الاختراع التي تتم في البلدان المتقدمة وفي بلدان كانت إلى وقت قريب تعد من البلدان النامية.. فالعلماء على مختلف الأصعدة منكبّون على البحث والفحص والتدقيق في شئون الكون ببحاره وسماواته وكواكبه المختلفة وما بينها وبين احجامها وذراتها وخصائص تكويناتها وأدق التفاصيل عنها وعن تركيباتها وخصائصها. فهل ياترى بمقدور قادة الأمة العربية والإسلامية اليوم من تعويض بلدانهم وشعوبهم عمّا فاتهم من فرص ضائعة من مزايا وفوائد الثورة الصناعية الأولى التي قامت في أوروبا أواخر القرن السابع عشر والأخذ بجدية وصدق بأسباب ومقومات ثورات القرن الواحد والعشرين ومن أبرزها وأقواها الثورة التي بدأت بالبلدان المتقدمة وليس هذا وحسب، وإنما بدأت بالأخذ بها الصين وماليزيا والهند وعدد من البلدان المتطلعه نحو المستقبل. إنها «النانوتكنولوجيا NANO -TECHNOLO» فلقد كان أول إطلاع لي عن هذا الموضوع أو هذا العلم التقني الخطير قبل حوالي أربع سنوات، عندما قرأت موضوعاً بالملحق العلمي لمجلة العربي جاء فيه وتحت عنوان: «الأنابيب النانوية المادة الاعجوبة» ولأسباب لا أدري بالضبط ماهي مررت على ذلك الموضوع مرور الكرام، أو لربما قد طغت عليه جملة من المواضيع اليومية التي تستحوذ على عقولنا قرأت وأخيراً بدأت بعض وسائل الإعلام المختلفة وأجهزة «الانترنت» تتناول هذا الموضوع، كما أن مجلة العربي لعدد شهر يونيو الحالي تناولت هذا الموضوع لباحث مصري هو الدكتور محمد شريف الاسكندارني، الأمر الذي حفزني وشد مداركي وانتباهي للإمعان في جوانب هذا العلم الجديد وهذه التكنولوجيا التي ستحدث ثورة هائلة في انماط حياة البشرية وجوانبها المختلفة وليس هذا وحسب بل وستحدث تغييرات جوهرية في معالم الحياة البشرية والكونية، أي أن المتغيرات ستطال الكواكب الأخرى بفضل هذه الصناعات التقنية المتطورة والتي من شأنها إقامة المصاعد الفضائية المزمع إقامتها لتربط بين الأرض والمحيطات الفضائية والكواكب الأخرى والتي ستصنع من أنابيب وأسلاك الكربون النانوية، وستمتد لآلاف الكيلومترات؟؟ هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصادر صناعة تكنولوجيا المواد النانوية هي من جميع المواد التقليدية مثل المواد الفلزية اشباه الموصلات الزجاج، السيراميك، والبوليرات.. ويقول العلماء بأن أنابيب الكربون النانوية قد أثارت حفيظة العلماء وخلقت جدلاً علمياً في اوساطهم خاصة عندما تمخضت اكتشافاتهم عن حقائق مثيرة تتصل بتلك الخواص المثيرة والفريدة لتلك المواد المصنوعة من مواد النانونية وكذا خواصها الميكانيكية المذهلة مثل ارتفاع مقاومتها لاجهادات الشد والمتانة المتفوقة على سبائك الصلب وتمتعها بخفة الوزن. ولمعرفة المزيد عن هذا العلم دعونا نطرح هذا السؤال: ماهو النانوتكنولوجي؟ تطلق كلمة نانو باللغة الانجليزية على كل ماهو ضئيل الحجم دقيق الجسم، فالنانو متر يساوي واحد مليار من المتر ويساوي عشر مرات من قطر ذرة الهيدروجين، مع العلم إن قطر شعرة الرأس العادية في المعدل يساوي 80000نانو متر، وفي هذا المقياس للقواعد العادية للفيزياء والكيمياء لا تنطبقان على المادة.. وعلى سبيل المثال خصائص المواد مثل اللون والقوة والصلابة والتفاعل. تكنولوجيا النانو والكمبيوتر تتلخص فكرة استخدام تقنية النانو في إعادة ترتيب الذرات التي ستتكون منها المواد في وضعها الصحيح، وكلما تغير الترتيب الذري للمادة تغير الناتج منها إلى حد كبير، وبمعنى آخر فإنه يتم تصنيع المنتجات المصنعة من الذرات وتعتمد خصائص هذه المنتجات على كيفية ترتيب هذه الذرات، فإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الفحم يمكننا الحصول على الماس، أما إذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الرمل وأضفنا بعض العناصر القليلة يمكننا تصنيع رقائق الكمبيوتر. وإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الطين والماء والهواء يمكننا الحصول على البطاطس وما يعكف عليه العلم اليوم هو أن يغير طريقة الترتيب بناءً على النانو، من مادة إلى أخرى وبحل هذا اللغز، فإن ماكان يحلم به العلماء قبل قرون بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب سيصبح ممكناً لكن الواقع والمؤسف أن الذهب عندئذٍ سيفقد قيمته؟؟ ولا يقتصر هذا العلم على مجالات التصنيع الميكانيكي والشبكة الكهربائية ووسائل النقل وخلاف ذلك وحسب وإنما تمتد إلى مجالات الطب والأدوية وطرق العلاج. وبهذا الصدد يقول المهندس البيولوجي توماس ويبتسر: إن ايصال الدواء إلى جسم الإنسان هو واحد من أول تطبيقات النانوتكنولوجيا المرشحة للاستخدام فعن طريقها يمكن أن يدخل إلى الخلية جرعة دوائية يقل حجمها عن 100نانو متر، والنظرية المعتمدة هنا هي أن فاعلية الدواء تزداد إذا كانت كمياته متناهية الصغر بهذا الشكل، وكلما تضاءلت الجرعة الدوائية كلما قل ضررها على المريض، ولأنها لاتستهدف إلا الخلايا المسببة للمرض. هذا وتشهد المختبرات حالياً سباقاً محموماً بين العلماء والباحثين يهدف لوضع مخطط تفصيلي عام يوضح وظائف طرق عمل البروتينات في إطارها الكيميائي إلى جانب اهتمام الفيزيائيين بدراسة هياكل هذه المواد، وخصائصها الوظيفية بهدف تركيب البروتينات بنسخ صناعة ذات خصائص جديدة وبجزئيات أكبر وأكثر تعقيداً، كما يحصر الباحثون مهامهم حالياً لتصميم «روبوت» ضئيل الحجم قادر على تحريك الجزئيات، حتى يكون ممكناً لهم مضاعفة ذاتها بشكل آلي دون تدخل العوامل الخارجية، وبشأن جسم الإنسان فإن ثمة تقنية لعلم النانوتكنولوجي تعمل على مكافحة امراض الجسم، وإعادة انتاج الخلايا الميتة ومضاعفتها والقيام بدور الشرطي في الجسم لحماية جهاز المناعة لدى الإنسان.. وبعد فماهي آخر أخبار المبتكرات العلمية والصناعية ياترى؟ إنها السيارة الطائرة التي ستبصر النور قريباً جداً ومما لاشك فيه أن المرء في كثير من الاحيان وعند اشتداد الزحام في أي شارع من الشوارع غير المخططة تخطيطاً سليماً، تتبادر إلى مخيلته بعض الأفكار والتصورات والاحلام التي تصبح بعد ذلك من الحقائق الواقعة وهاهي العديد من الشركات العالمية تتنافس لصناعة السيارة الطائرة، والتي كانت حلماً ومعظم آيات هذا الكون من صناعات شتى قد كانت عبارة عن أحلام فباتت حقائق. إنه الإنسان هذا العملاق والقزم والشيطان والملاك في آن واحد، انه أعظم مخلوقات الله بصرف النظر عما تكنه نفسه من خيرات وشرور، وسلب وايجاب، لكنه سيبقى خليفة الله على هذه الأرض فسبحان الخالق المصور القادر على كل شيء. بعد هذه القراءة السريعة لعلم «النانوتكنولوجي» تبرز إلى الذهن جملة من الاسئلة والاستفسارات المختلفة ومن هذه الاسئلة: هل هناك ثمة علاقة لهذه الثورة التقنية وللأزمة المالية التي تجتاح العالم، على خلفية أن معظم الشركات الصناعية المنتجه للسيارات ومصانع الحديد والصلب، وخلاف ذلك إزاء هذا التطورات لتكنولوجيا النانو، وماستننجه من سلع أخف وزناً وأقل كلفة، فلابد لتلك الشركات من إعادة حساباتها وإعادة النظر لمستقبل شركاتها وإنتاجها وارباحها وكل مايتصل ويتعلق بكافة الظروف والأوضاع المستقبلية، وهناك أمر آخر ترى هل ثمة علاقة بين هبوط اسعار حديد البناء الذي بدأ قبل عام تقريباً وصناعة أنابيب «النانو» التي بدأت تنتج منذ سنوات، وما إذا كان مهندسو البناء والإنشاءات قد أخذوا يستخدمون هذا النوع من مواد البناء عوضاً عن سيخات الحديد الذي يستخدم في عملية الصب للبناء وغير ذلك من أغراض البناء؟؟ نحن ندرك أن أبرز أسباب الأزمة المالية قد كانت وبدأت بالولايات المتحدة وأن أبرز أسبابها المضاربة في سندات الاقتراض، وملحقاتها، هذا ماظهر للعلن والعامة من الناس، لكننا نتساءل هنا فقط خاصة بعد أن عرفنا أبعاد وأثر تكنولوجيا النانو على مستقبل الصناعة التقليدية بوجه عام أو لم يكن أصحاب الشركات الصناعية الكبرى بالولايات المتحدة وغيرها، وجاصة تلك التي بدأت تعلن عن افلاسها من أنها تخطط وتستعد لإعادة تركيب مصانعها بما يتلاءم ويتفق والتطورات الجديدة التي جاءت بها تكنولوجيا النانو، وخاصة وأنها قد بدأت بالإنتاج منذ سنوات؟ إنها مجرد اسئلة وتصورات وتوقعات من وحي مايجري بهذا العالم الذي أخذت تزداد به المخاوف من كل مايحيط ببني الإنسان، ولاسيما إذا عرفنا من أن موضوع القرصنة بالبحر الأحمر وباب المندب والخليج العربي وراءها شركات عالمية أخذت تعلن عن نفسها لحماية البواخر المارة من هذه المياه المتاخمة لبلادنا.