صحيح أن الانطفاءات الكهربائية المتكررة التي تنفذها مؤسسة الكهرباء لتغطية العجز المتصاعد في الطاقة الناتج عن تهالك محطات التغذية الرئيسة التي أصبحت بحالة يرثى لها ولم تعد قادرة على تحمل الضغط المتزايد عليها..قد أصابتنا بحالة من الاكتئاب والقلق النفسي وحولت حياتنا كابوساً دائماً لايطاق.. بالإضافة إلى ما تسببه من خسائر مادية نتيجة اتلاف الأجهزة الكهربائية من ثلاجات وتلفزيونات وغيرها وعرقلة كثير من الأعمال والمصالح التي يعتمد أصحابها على وجود التيار الكهربائي لتسيير أعمالهم ومصالحهم، والكثير من الأضرار والمتاعب التي لاتحصى ولاتعد، إلا أن هذا لايعني عدم وجود فوائد من هذه الانطفاءات. فإذا ماأمعنا التفكير قليلاً بهدوء وبعيداً عن التشنجات والانفعالات لعرفنا الحكمة من الانطفاءات وأدركنا السر من وراء استمرارها بهذا الشكل المزعج واكتشفنا السبب الرئيسي وراء تقاعس وزارة الكهرباء ومؤسستها عن إيجاد حلول ناجعة رغم المليارات التي تصرف دون جدوى في إيجاد حلول لهذه المشكلة المستعصية منذ سنوات. إلا أننا ومع الأسف ننظر بسطحية فلا نرى من الانطفاءات إلا الظلام ودائماً مانتسرع في إطلاق الأحكام فنتّهم وزارة الكهرباء ومؤسستها بالإهمال والتسيب والتقصير المتعمد في تحمل المسؤولية تجاه الوطن والمواطن.. ونذهب بعيداً جداً حتى إننا نظن أن هناك أطرافاً مستفيدة من بقاء وضع الكهرباء كما هو عليه، ولكن الحقيقة غير ذلك، فوزارة الكهرباء وقيادة المؤسسة قادرتان على معالجة هذه المشكلة خلال أشهر بعد التأكد من أننا قد استفدنا وعرفنا فوائد الانطفاءات المستمرة، إلا أننا وحتى هذه اللحظة لم نصل إلى الوعي الكامل بالفوائد.. فلو سألنا أحد المواطنين عن عدد المرات التي ينقطع فيها التيار الكهربائي عن منزله، وكم يستغرق من الوقت حتى يعود، لأجاب وبتذمر وبعد أن يكيل عشرات الشتائم واللعنات على الجهات المسؤولة عن الكهرباء: أربع مرات ولمدة تصل إلى ثلاث ساعات في كل مرة. ولكن هل أدرك هذا المواطن الفوائد التي يحصل عليها مقابل بقائه بدون كهرباء لساعات؟! منها على سبيل المثال لا الحصر: تعلمنا الحرص الشديد واليقظة الدائمة للمحافظة على أجهزتنا الكهربائية فكلما عاد التيار سارعنا إلى تشغيلها وإنجاز مايلزم إنجازه من الأعمال بما فيها غسل وكي الملابس وبأسرع مما كنا عليه في السابق وهذا يعني أننا أصبحنا أكثر نشاطاً وحيوية، والعكس عندما ينقطع التيار يتقافز الجميع لفصل الأجهزة الكهربائية حتى لاتتلف. أما الفائدة الثانية التي يجب أن نعيها جيداً فهي عدم الاعتماد الكلي على التكنولوجيا والعودة إلى الموروثات القديمة والأدوات اليدوية فنلاحظ أن «المسحقة الحجر» عادت للظهور وبقوة لتحل محل العصارة في تحضير السحاوق والبهارات وغير ذلك، كما عدنا نحن النساء إلى الغسيل اليدوي للملابس والذي يعتبر رياضة ومهارة تذكرنا بحياة أسلافنا من النساء قبل عصر الكهرباء والتكنولوجيا. أما الفائدة الثالثة فهي تُعلِّمنا النوم المبكر وترك السهر خصوصاً للأطفال والموظفين وهذا يشعرهم بالراحة ويمدهم بالنشاط والحيوية فمن ينام باكراً يصحو باكراً.. وفي اعتقادي فقد كان للانطفاءات فضل كبير بل وساهمت في الانضباط الوظيفي بشكل لافت وأصبح الموظفون يحضرون إلى مقار أعمالهم قبل الدوام بعد أن كانوا يحضرون متأخرين عن الدوام.. وتقارير الخدمة المدنية تؤيد ذلك. أما الفائدة الرابعة فقد أصبح أكلنا طازجاً وإعداد الأكل بشكل يومي فلا مجال لوضع الأكل أو الخضروات أو اللحوم بالثلاجة لأن ذلك يعني تلفها وفسادها.. أما الفائدة الخامسة فهي تتعلق في الجانب الاقتصادي ومكافحة البطالة.. حيث أسهمت الانطفاءات المتكررة في تشغيل أيدي عاملة وأوجدت نشاطاً تجارياً غير عادي منح العشرات من الشباب فرصة عمل ووجدوا في بيع المصابيح والفوانيس التي تعمل بالبطاريات بالإضافة إلى الشمع عملاً يكسبون من ورائه رزقهم وليس هم المستفيدون وإنما المستوردون وتجار الجملة وتجار التجزئة وحتى الدولة لما يعود عليها من رسوم وجمارك وضرائب وتحسين مدينة وصحة وبيئة.. الخ.. والأهم من هذا كله تُعلّمنا الصبر وتعمل على تهيئتنا نفسياً ومعنوياً للتكيف والعيش بدون كهرباء فمن يضمن المستقبل وعلينا أن نرضى بأقل القليل من الماء والكهرباء والغذاء والأمن والعدل. فهل اقتنعتم أن الانطفاءات المتكررة لها فوائد أيضاً؟؟ وقلبي على وطني!!.