الذين رفضوا إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الزمني واستخدموا كل ما لديهم من النفوذ للتمديد لعضوية مجلس النواب سنتين قادمتين بدافع الحرص على توفير الفرصة الكافية لإحداث الإصلاحات السياسية والانتخابية، من خلال عملية حوارية تشارك فيها كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة والمعتمدة في البلاد.. مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى البدء في الحوارات المطلوبة والمتفق عليها بين الأحزاب الممثلة في مجلس النواب حتى لا يجدوا أنفسهم في حالة الانشغال بمناكفات دعائية تهدر الوقت والجهد في خلافات جانبية يتضرر منها الوطن والشعب بكافة قواه السياسية الحاكمة والمعارضة ولا يستفيد منها سوى أولئك الذين يريدون العودة إلى ما قبل الثورة وما قبل الوحدة وما قبل الديمقراطية. مستفيدين من الخلافات السياسية بين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة الذين يفترض فيهم أن يلتقوا على احترام الثوابت الوطنية، ويختلفوا على المتغيرات الخاصة بالتنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية طبقاً لما لديهم من البرامج السياسية المتأثرة سلباً وإيجاباً بما لديهم من القناعات الأيديولوجية. وفي هذا الإطار ليس من مصلحة أحزاب اللقاء المشترك وغيرها من أحزاب المعارضة انتهاج سياسات إعلامية غير ديمقراطية تصور حكومة الأغلبية بهذا النوع من الصور والصفات اللا ديمقراطية أو ذاك الاتهام الذي يصف نظام الحكم الديمقراطي المنتخب بالنظام الفردي حيناً والنظام الأسري والعائلي حيناً والنظام الفاسد والمستبد والفاشل معظم الأحيان. مقرونة بالدعوة الصريحة لإسقاطه بالأساليب الأقرب إلى الفوضوية والعنيفة والانفصالية والإمامية منها إلى الأساليب السلمية المبنية على الشرعية الانتخابية الحرة والنزيهة والشفافة التي رفضوها من منطلق الحرص على تطوير النظام السياسي وتطوير النظام الانتخابي. وليس من غيره من المنطلقات غير الديمقراطية التي تتصدر خطاباتهم وبياناتهم ومواقفهم السياسية والإعلامية التحريضية بدافع الرغبة في التخريب والهدم الذي يروجون له، وليس من منطلق الرغبة في الإصلاح والبناء المتفق عليه بين الأحزاب والتنظيمات الممثلة في مجلس النواب. لأن الوطن والشعب لا يمكن أن يتحولا في غياب الاحترام للثوابت الوطنية إلى أهداف لهذا النوع من المغامرات والتجاوزات والممارسات الفوضوية التي لا تتفق مع الديمقراطية القائمة على الشرعية الانتخابية وعلى التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية التي تقرن الحق بالواجب، والحرية بالمسئولية واحترام سيادة القانون ومرجعيته الدستورية. ومعنى ذلك أن الذين رفضوا إجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية والقانونية لا يمكن لهم أن يتهموا من قبل بها بما ليس فيه من العيوب، ولا يمكنهم أن يستبدلوا العملية الانتخابية بغيرها من البدائل التشاورية والانقلابية. لا شك أن محاربة الفساد والفقر والجهل والظلم مهام تندرج في نطاق الأولويات الحكومية الملحة، المرتبطة بحاجة الهيئة الناخبة التي قالت: «نعم» والتي قالت: «لا» لمن هم بالحكم، والتي قالت: «نعم» وقالت: «لا» لمن هم بالمعارضة. ولا شك أن المسئولية البرنامجية للحكومة مسئولية تضامنية أقرب إلى الجماعية منها إلى الفردية؛ لا يمكن النظر إليها من زاوية ما قد يحدث من دواعي النجاح وتداعيات الفشل لهذا الشخص أو ذاك حتى يمكن حصر الناجحين والفاشلين في نطاق البعض دون البعض في أول مواجهة تنافسية انتخابية بين الأحزاب والتنظيمات السياسية المعنية بالتداول السلمي للسلطة. لأن الحزب أو التنظيم السياسي الذي لا يتوخى الدقة في اختيار الأشخاص للمواقع الحكومية المختلفة؛ يوقع نفسه في أخطاء مركبة لا تنحصر أضرارها السياسية في نطاق أعضائه وهيئته الناخبة بقدر ما تتجاوز ذلك إلى جماهير الشعب قاطبة، بصورة لا مجال فيها للانتقائية المرتبطة بالمزاجية الفردية طالما كان الواقع العملي هو الكفيل بالكشف عن صواب وعدم صواب التجربة والممارسة لرئيس وأعضاء الحكومة. فقد تكون الأخطاء الناتجة عن سوء استخدام البعض للسلطة سبباً للقول بأن هذه الحكومة فاشلة، وقد تكون أخطاء الجزء سبباً لما يلحق بالبعض من الهزائم الانتخابية التي تتضرر منها المعارضة وتدفعها إلى الإحباط واليأس والهروب من أية منافسات انتخابية إلى البحث عن مبررات تفتقد إلى الموضوعية والمصداقية. وما تستوجبه من مواقف وممارسات فوضوية ناتجة عن الانحياز للظواهر ونزعات الرجعية المثيرة للأعمال الإرهابية والنزعات التدميرية القبلية والمناطقية والمذهبية والطائفية والإمامية والانفصالية كأوراق ضغط سياسية للحصول على صفقات ومكاسب ومنافع انتهازية وأنانية ولو عن طريق استغلال الحقوق والحريات والأساليب السلمية الظاهرة التي تتحول إلى مصادمات وصراعات وأحداث شغب وأعمال سلب ونهب وقتل. وقد تتجاوز ذلك إلى توظيف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق صفقات ومكاسب سياسية ومالية يقدمها صاحب الأغلبية من باب التنازلات بدافع الحرص على شراء الولاءات والمواقف الموالية التي تساعد الحكومة على تنفيذ ما لديها من الخطط والبرامج الاقتصادية والخدمية في أجواء مستقرة وآمنة خوفاً من إهدار الطاقات والإمكانيات. وزجها في مواجهات جانبية تفتح المجال أمام الذين لا يهمهم سوى مصالحهم من أعداء الثورة وأعداء الوحدة وأعداء الديمقراطية والشرعية الانتخابية والتداول السلمي للسلطة في الدخول بهذا النوع من المواجهات الفوضوية والتدميرية التي تتخذ من الشرعية الحوارية مداخل غير ديمقراطية ومطالب شمولية. تتخذ من كلمة الحرية والحق منطلقاً باطنياً لتحقيق ما هو باطل وهدام ومستبد من المطالب الانتهازية غير المشروعة والفاسدة التي تتعمد إضعاف هيبة وقدسية المرجعيات الدستورية والقانونية للحيلولة دون نجاح أجهزة الدولة ومؤسساتها وسلطاتها في تنفيذ ما لديها من الخطط والبرامج التنموية المتعددة المجالات الحياتية والحضارية. اعتقاداً من أصحاب الأقلية أنهم يُفشلون صاحب الأغلبية ويزجونه في مواجهات وصدامات ومعارك جانبية دون وعي ودون علم بأنها تؤدي إلى إحلال الشلل التام للحياة وتعطيل مؤسسات الدولة من القيام بمسؤولياتها على نحو يتضرر منه الجميع، ولا يستفيد منه سوى أعداء الوطن والشعب.