بمناسبة مرور واحد وثلاثين عاماً على توليه مقاليد الحكم في اليمن دعا الرئيس علي عبدالله صالح إلى حوار شامل لمناقشة الأوضاع التي تمر بها البلاد ، وتأتي هذه الدعوة لتدلل على حكمة وعقلانية الرئيس، الذي يدرك قبل غيره أن القوة وحدها لاتكفي لحلّ المشكلات بل لزيادة أثرها، ولأن القوة علاج آني لايصلح لاستمرار ولايملك مقومات الحياة. فإن الدعوة إلى الحوار تمثل فرصة عظيمة لتدارك مايمكن تداركه من الوئام والسلام الاجتماعي والعودة إلى ساحة العقل بعد أن توترت الأمور إلى درجة تنذر بالخطر وقد لايمكن تداركها، خاصة بعد دخول خط الأزمة عناصر تخريبية حاقدة لا هدف لها سوى إثارة الفتن والبغضاء بين أفراد الشعب الواحد ومحاولة الوصول إلى هدفهم المنشود وهو اعادة تجزئة الوطن الذي التأمت وحدته في 22مايو 1990. وإذا كانت الدعوة إلى الحوار قد صدرت بهدف معالجة الأوضاع - والسلبيات التي سببت هذه الأزمة - سلمياً فإن الأطراف المدعوة تعرف أن هذه الدعوة لم تكن صادرة عن ضعف أو خوف.. فالدولة تملك من مقومات الحسم الموجع مايكفي، اضافة إلى الشرعية الدستورية غير أن الفتنة قد تتسع أكثر بمعالجات من هذا النوع، والعقلاء يعلمون تمام العلم أن أبرياء كثيرين سيصبحون ضحايا وستترك هذه المعالجات آثاراً قد تؤدي إلى مشكلات أكبر. والحق أن هذه الدعوة إلى الحوار لم تكن الأولى فقد تكررت الدعوة إليه منذ فترة، غير أن عدم جدية بعض الأطراف وترددهم في الدخول في حوار مع الحكومة لأسباب قد تكون داخلية أو خارجية هي التي أخرت الاستجابة لها. كما أن الإعداد للحوار إعداداً يضمن نجاحه لم يتحقق، لذا فإن هذه الدعوة ربما تمثل فرصة حقيقية قبل تفاقم الأوضاع إلى ما لاتحمد عقباه، فالذين يهوّنون من المشكلات القائمة أو يرفضون الاعتراف بوجودها هم أحد عناصر الفشل لأي حوار وكذلك الذين يتعنتون في المطالب ويرفعون سقفها في كل مرة حتى تتجاوز كل الحدود والثوابت هم عناصر فشل أخرى. والمطلوب اليوم تحكيم العقل والمصلحة الوطنية قبل كل شيء بعيداً عن المصالح الشخصية والمشاريع الخارجية، فالاعتراف بوجود مشكلة أول خطوات الحل والدعوة إلى الحوار تمثل القاعدة الأساسية لبناء الثقة والتصالح. بقي أن نقول: إن أي حوار لن ينجح ما لم تكن له مرجعية يحتكم إليها الأطراف جميعاً، ونحن لدينا دستور يمثل مرجعية لحل أعقد الخلافات ولم يسرِ العمل به إلا بعد استفتاء شارك فيه كل أبناء الشعب اليمني وبما أن «الأعمال بالنيات» فلابد من توفر نية حقيقية لدى جميع الأطراف لتجاوز هذه الأزمة وتذليل كل الصعوبات التي يمكن أن تعطل أو تفشل هذا الحوار، كما أن اقصاء أي فريق أو طرف من أطراف الأزمة لن يكون في صالح الحوار بل سيصعب وربما أفشل أي حل تتوصل إليه الأطراف المتحاورة، وعليه لابد من اشراك كافة التيارات ووضع كافة المشكلات فوق طاولة الحوار وأن يلتزم الجميع بالصدق والموضوعية في معالجة المشكلات المعروضة بمرجعية الدستور. لقد سئم الشعب الخلاف والاختلاف والتشرذم والخروج من أزمة والدخول في أخرى بذرائع هي أوهى من بيت العنكبوت، ومن كان اليوم لديه مايساعد به للوصول إلى الاتفاق ونبذ الشقاق فليسرع بتقديم النصيحة وليقل خيراً أو ليصمت.. لانريد أن يتسع الخرق على الراقع، فبوادر الحقد والكراهية ظهرت في جريمة لحج وهناك ضحايا أبين وصعدة يمارسها من هو مجبول على القتل والحقد ويجد في هذه الظروف وللأسف من يغذي هذه الثقافة، ثقافة الحقد والكراهية.. كما أن تصرفات وجشع الفاسدين تدفع في هذا الاتجاه ويسرع أعداء وحدة اليمن واستقراره إلى تلقف مثل هذه التصرفات وتوظيفها في مخططات دنيئة تستهدف وحدة اليمن وشعبه. أعود إلى القول: إن أوجاعنا قد تكالبت علينا فالاختطاف، والنزاعات القبلية والفساد ودعوات التشطير والتمردات والأزمات الاقتصادية تهدد ليس الجيل الحالي فحسب وإنما ستنسحب آثارها المدمرة على الأجيال القادمة وسوف تتبع اللعنات المسئولين عن كل ما نحن فيه اليوم، لذا فالدعوة التي صدرت عن الأخ رئيس الجمهورية فرصة يجب أن لاتضيع، ونناشد الجميع دعم هذا التوجه الحواري، وكل ابن آدم خطّاء وخيرالخطائين التوابون والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ولن نفقد الأمل بحكمة أهل اليمن«فالايمان يمان والحكمة يمانية»صدق رسول الله«صلى الله عليه وسلم». وترجمة هذا الحديث الشريف عملاً مهمة علماء اليمن الذين يُعول عليهم في الملمات وهم المسئولون أمام الله عز وجل عن أمة نبيه «صلى الله عليه وسلم» فلامجال أمامهم اليوم غير الصدع بكلمة الحق وعدم الخوف في الله لومة لائم، فهذا هو الجهاد الحقيقي في الله عز وجل فليبدوا رأيهم فيما يحدث وليشاركوا في ايجاد الحلول الناجعة، فالسكوت ليس من ذهب.. بل لجام من نار.