فضل الأشول تحدثنا في العدد السابق من ملحق الانسان عن ظاهرة الاقتتال بين الأبناء والآباء التي سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة وأوردنا عدة نماذج مختلفة لهذه الظاهرة واقترحنا على الجهات المعنية اعطاء هذه القضايا اهتماماً خاصاً من خلال وضع الدراسات العلمية المناسبة حول الدوافع والأسباب لنشوء مثل هذه الجرائم ومن ثم الخروج بمعالجات ناجعة تعمل على محاصرة هذه الأعمال المجرمة الدخيلة على أعرافنا وتقاليدنا وأخلاقياتنا منذ الأزل. وفي هذه الحادثة التي بين أيدينا قد يتبادر إلى ذهن البعض إنني استعذبت الحديث عن هذا النوع من الجرائم والحقيقة غير ذلك فهذه الجريمة استجدت في الاسبوع الماضي في محافظة ذمار وتفرض علينا إلقاء الأضواء على جوانبها. كما تؤكد في الوقت نفسه أن ما ذهبنا إليه من اتساع رقعة هذه المشاكل كان صائباً ويجب على المعنيين الاعتراف بذلك حتى لانجد أنفسنا وقد أصبحنا مجتمعات مفككة متناحرة لأتفه الأسباب وعلى كل حال فهذا «علي» م.ن.م«35»عاماً استطاع منذ عدة سنوات الاستحواذ بقوته وطيشه على ممتلكات أبيه الذي لايزال على قيد الحياة ومن ورائه أحقية اخوانه الشرعية والقانونية في تلك الممتلكات ومن بينها «مقطاع للأحجار» وهذه المقاطيع كما هو معروف عند الخاصة والعامة أنها تدر دخلاً مادياً عالياً وبالذات في منطقة رخمة بمديرية عنس التي تنتمي إليها هذه الأسرة. ويبدو أن ضمير الأب«محمد» كان يؤنبه ازاء وضع مقلوب كهذا فالابن الأصغر يسيطر على كل شيء بينما الأكبر لايمتلك من حطام الدنيا شيئاً ويجب أن يسعى لتسوية كفتي الميزان على الأقل بين الاخوين الذكرين لكنه في اللحظات الأخيرة كان يتردد من بطش وقسوة«علي» التي كان يتوقعها فيعرض عن ذلك لمدة من الزمن لعل الأيام القادمة تأتي بمستجدات وظروف أكثر ملاءمة تساهم في اعادة الأمور إلى نصابها وبالذات وقد بلغ الأب من العمر عتياً«80» عاماً. أبناء الابن الأكبر«محمد» شبوا عن الطوق وبدأوا يدركون الظلم الفادح الذي يثقل كاهل والدهم وجدهم في آن جراء سيطرة عمهم«علي» على كل شاردة وواردة بدون مراعاة للحقوق الشرعية التي يجب أن تكون الحكم بين الأطراف الثلاثة والدهم وعمهم وجدهم لكن لاحياة لمن تنادي فاضطر هؤلاء الأولاد«أبناء الأخ الأكبر» خوض غمار شريعة محتومة مع عمهم في خطوة سلمية رآوها جديرة لاستعادة حقهم المسلوب لكن ستة أشهرلم تكن كافية ليصلوا إلى أهدافهم المنشودة حيث كانت تتسع دروبها ومراميها بل وتزداد تشعباً لأن حبال المحاكم لدينا. كما هو معروف طويلة وتحتاج إلى جهد جهيد حتى يحصل صاحب الحق على حقه حتى إن أيام التقاضي أي والقضية منظورة في المحكمة لم تكن الأمور تخلو من ردود فعل متباينة وتختلف من قبل عمهم ووصلت الأمور في الأيام الأخيرة إلى تبادل لإطلاق النار لم يسفر عنه أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات، الوالد المسن لم يكن بمنأى هو الآخر عن هذه المعمعه فكلما تبادل الابن«علي» أطراف الحديث مع والده ولم تعجبه نبرة حديثه في أي موضوع يتعلق بهذه القضية أو غيرها فإنه لم يكن يتورع من الاعتداء على والده بالضرب المبرح الذي كان ينجم عنه كسر في أحد أصابع اليدين أو كدمات في أماكن مختلفة من جسده حتى أن تلك الاعتداءات أصبحت بحسب افادة شقيقة«علي» التي هي ابنة الأب «محمد» بحكم العادة أي أنه أدمن على القيام بمثل هذه الحماقات التي كانت تزداد قسوة يوماً بعد يوم ووصلت ذروتها أيام استعرت فيها الشريعة بينه وبين أبناء شقيقة. وبعد فترة كبيرة من التحفظ المحفوف بالخشية قرر الأب الخروج عن صمته والعمل على مايمليه عليه ضميره وحضور الجلسات من أجل منح ابنه الأكبر حقه في الميراث من خلال فرض حصته المقررة قانوناً من عائدات مقطع الأحجار وهذا من حقه ولاغبار عليه وبدأ فعلاً باتخاذ خطوات عملية لتنفيذ ذلك في البداية لم يعر«علي» ماطرأ على سلوك والده الشيء الكثير لكن النصائح التي حصل عليها من أصدقائه المقربين كشفت له عواقب استمرار الأب في هذه المحاولات التي سينتج عنها في الأخير لامحاله مشاركة الابن الأكبر وأولاده في العائدات المالية للقطاع وهذا أمر يرفضه جملة وتفصيلاً، فبعد أن كان هو الوعاء الوحيد لتلك الأموال وصاحب الكلمة الفصل في كل شيء كيف يسمح لأي دخيل حتى لو كان أخاه أو أباه إنه أمر مستحيل الحدوث حتى لوكلفه الأمر بذل الغالي والنفيس في سبيل الحيلولة دون أمرٍ كهذا. ومعروف أن الجشع والطمع إذا استولى على المرء فإنه كفيل بأن يسلبه عقله ورشده تماماً ليصبح كالمجنون أو أشد وطأة بحيث لايتورع عن ارتكاب أي جريمة للحفاظ على مايراه جديراً بهذا الحفاظ والأمثلة على ذلك كثيرة. «علي» وكما هي عادته إثر ساعات من التعب والنصب في قطع الأحجار واعدادها للبيع ومن ثم التواصل مع العملاء يلجأ بعد تناول وجبة الغداء إلى قسط من الراحة في مضغ القات وعندما اقتربت الساعة من الخامسة مساءً عزم أمره على التوجه إلى منزل والده واتخاذ مايلزم لمنعه من الوقوف إلى جانب أخيه وأولاده وإذا نجح في ذلك فإن الأمور بعدها ستكون هينة وقد يتمكن من فتح مشوار آخر من السيطرة والاستحواذ على ماتحت يده ولكي يكون أكثر ترهيباً لأبيه الذي كان يدرك أنه يخاف كثيراً أخذ سلاحه«بندقية كلاشنكوف» وأسرع الخطى إلى منزل والده وأخذ يكيل السباب والشتائم لوالده والتهديد بالقتل إذا لم يتجنب مايحدث بينه وبين أبناء أخيه. الأب أدرك وللوهلة الأولى أن«علي» ماجاء إلا ليضربه ويعتدي عليه فأراد أن يتخلص من سوء هذه المعاملة ولو في تلك الساعة فحاول الخروج لكن «علي» منعه فعمد إلى طعنه تحت إبطه الأيسر وتحت الهرج والمرج الذي حصل داخل المنزل استطاع الشيخ المسن الخروج من الباب الرئيسي وحاول قدر الامكان اطلاق رجليه للريح لكن عمره لم يكن في صالحه وقبل أن يبتعد كثيراً كان الابن قد فتح احدى نوافذ المنزل المواجهة لطريق هروب الأب وأطلق طلقة نارية واحدة اخترقت الجسد الواهن الهزيل من الظهر لتخرج من البطن أسعف على اثرها إلى المستشفى وبعد يوم واحد فارق الاب الحياة في حين تمكن الأهالي من إلقاء القبض على الابن وايداعه السجن.