جميل أن يكون أبي شهيداً من أجل الوطن فقط وليس من أجل حزب أو رابطة أو هيئة أو سلطان، فهذا يدعو للفخر من قبلي وسأكون ابن الشهيد وابني سيكون حفيد الشهيد وعمي سيكون أخ الشهيد وخالي سيكون نسيب أو صهر الشهيد وهكذا، ويبدو أن القائمة ستطول لأننا سندخل في قاموس بيت الشهيد وقرية الشهيد وعزلة الشهيد وسيارة الشهيد وهكذا. هذا من باب الأموات الذين ضحوا بأرواحهم (على حسب الاعتقاد والله اعلم ) لأننا لا يمكن أن نثبت أن الشهيد فعلاً ضحى بروحه من أجل الوطن في صراعات شتى شهدها الوطن اليمني على مدى تاريخه الطويل وفي أراضيه المختلفة. وأقف حائراً، ومن المؤكد يقف معي الكثيرون ممن أصابتهم حساسية من كثر سماعنا لمسمى ومصطلح الشهيد لدرجة أننا أصبحنا نشك في أمر كل من أطلق عليه لقب شهيد ونتساءل: هل هو فعلاً شهيد أم أن هناك حوافز لمن يحصل على هذه الدرجة سيجنيها ورثته ؟! غريب أمرنا في اليمن من كثرة حروبنا أصبح كل ضحايانا شهداء، وإن لم يحصل شخص ما على هذه الصفة الآن عليه الانتظار لحرب أخرى ليصبح ضحايا الحرب السابقة شهداء وهكذا يدخل ضمن القائمة المحظوظة. وهناك سؤال يطرح نفسه يقول: يا ترى هل يجوز لنا مساواة مَنْ قتل من العسكريين في الأمن والجيش في مراكزهم ومواقعهم مع مَنْ قتل في صراعات سياسية؟! سؤال إجابته معروفة لكن أين الأمانة هنا في التحديد بين هذا وذاك؟ ونأتي إلى أكبر الكبائر ( وكل هذا على ما يبدو في اليمن فقط ) توريث درجة الشهيد ووظيفة الشهيد ومركز الشهيد الاجتماعي لورثته وهكذا دواليك وربما بقي شيء لا أعلمه فالقائمة تطول . فأنا لا أدري ولست على اقتناع بأنه من الضروري إعطاء ابن الشهيد كل تلك الميزات وهو لم يفعل شيئاً إيجابياً للوطن في حياته، وإن كان ذلك من باب الإجلال والتقدير لتضحيات الشهيد.. ألا يكفي أن يصرف لأسرته مرتب الشهيد؟! ثم إذا كان الشهيد لديه أكثر من ابن بالغ فمن أحق بالوظيفة يا ترى؟ وهناك من يسأل إذا كان الشهيد متزوجاً من اثنتين أو أكثر وكل واحدة لديها منه شاب فمن أحق يا ترى؟ أليست دوامة اخترعناها لأنفسنا ؟! والمصيبة إذا كان ابن الشهيد ( مثلاً) اختل عقلياً وذهب منحرفاً في خطواته في أن يخطط وينفذ خططاً لتدمير وتفتيت الوطن وتجزئته وساهم في نشر الفوضى والاضطرابات والقتل ونشر الكراهية كالنائب الخبجي (مثلاً) فكيف يكون الموقف؟! مسألة أن يُقدم نائب في البرلمان على الإخلال بالنظام الذي هو من شارك في سنّه أو تشريعه لم تعد غريبة الآن نتيجة لتعددها ولم يعد مٌستغرباً أن يسعى أحد النواب أو بعضهم لتفتيت الوحدة الوطنية، فالأسماء أصبحت ظاهرة للعيان ولكن أن يأتي ابن الشهيد ليستلم راتب أبيه الشهيد الذي هو من خزينة الدولة ويصرفه لتدمير هذه الدولة وهناك آلاف الجياع فتلك والله مسألة عويصة.. فعلاً المسألة عويصة، لكن هل نتركه يتمادى فقط لأنه ابن الشهيد؟ ألا يستحق القبض عليه ومحاكمته كأي فرد يمني أخطأ؟ أليس ما يقوم به من أعمال إنما يشوّه سمعة أبيه ( إن كان فعلاً شهيد ) ويستحق أن نطلق عليه صفة شهيد أم أن ابن الوز عوام كما يقول المثل؟! لماذا نحن الوحيدين في العالم عاطفيون لدرجة الإضرار بالوطن دون أن ندري، نوزع ونمنح النياشين وبمسميات شتى لأي كان لدرجة لم نعد معها نعرف من يستحق ومن لا يستحق؟ هل يا ترى أمريكا وبريطانيا على كثرة قتلاهم في الخارج يسمونهم شهداء أيضاً؟ وهل يحصلون من الدولة على أكثر من مرتب، أود أن اعرف ذلك ممن يعرف. وفي نفس الوقت فأنا لست مناضلاً لأنني لم أعرف بعد التعريف الحقيقي والمحدد لتسمية مناضل ولست ابن شهيد ولن يكون ابني ابن شهيد، اطمئنوا حتى لو قُتلت من أجل الوطن لأنني مقتنع أن الموت من أجل الوطن لا يحتاج إلى كل هذه الهيبة والتسميات، لكن فقط أحببت أن أطرق موضوعاً من المؤكد ستكون له فائدة وسيستفيد منها صاحب القرار عاجلاً أم آجلاً . حقيقة كتبت مقالي هذا وأخاف أن ينشر متزامناً مع مناسبة يوم الشهيد إن كان هناك يوم مناسبة لهم ولا أدري هل يوجد مثل هذا اليوم أم لا، عندها سأقول لكم تقبلوا مني أجمل تحية لأنكم لستم مناضلين ولم تكونوا شهداء حتى اليوم أطال الله في أعماركم.