ضريبة «الزواج الثاني» عرض محمد قطابش لم يكن المشهد عادياً، على شاكلة مشاهد الجرائم التي ألف رجال الشرطة رؤيتها عند نزولهم لمواقع حدوثها، فالمجني عليه هنا هي طفلة لم تبلغ الثالثة من عُمرها، بدا من التحقيق أنها قُتلت بدم بارد.. البداية كانت في إحدى قرى ريف محافظة إب، «ع» متلهف للزواج للمرة الثانية من فرط إحساسة بأن لديه القدرة على تحمل مسؤولية الزواج الجديد وتوابعه، وبرغم المعارضة الشديدة من قبل زوجته أم أطفاله لأمر هذه الزيجة إلا أنه كان شديد التصميم على الزواج الثاني، وقد وقع اختياره على امرأة تبلغ ال28 من العمر، تقدم للزواج بها وسط موافقة أهلها. وتم الأمر بشكل سريع، ولم تشعر الزوجة الأولى بما حدث إلا عندما دلفت إلى المنزل، وتم تقديمها على أنها الضرة والزوجة الجديدة، ومن فرط اغتياضها بدأت المشاحنات والمشاكل بالتدافق من أول يوم لتحيل المنزل إلى جحيم لا يُطاق. الزوج «ع» كان ينظر للوضع الجديد في المنزل من زاوية مختلفة، فهو على كلٌ قد حقق هدفه، أي «الزواج الثاني»، وبالنسبة للمشاكل الطارئة فهي ليست بالغريبة عنه، فقد ألفها حتى قبل أن يتزوج الثانية، والذي حدث أنه قد تخفف من أحمالها ودفع بالكرة إلى ملعب الزوجة الأولى، فأضحى الصراع محصوراً بين الزوجتين تارة يثور ويتلظى، وتارة يدخل في مرحلة تهدئة مؤقتة لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق استعداداً لمعركة متجددة. كان واضحاً أن دافع الزوجة السابقة لإثارة المشاكل، هو شعورها بأن ضرتها تحصل على خطوة أكبر عند الزواج، لم لا وهي الزوجة الجديدة الصغيرة السن والقريبة للقلب والجديرة بالملاحظة، هكذا كانت تخال الأمر دون تمحيص، يتمكن منها الهم والألم فتندفع على غير هدى للعراك، على الطرف الآخر لم تكن الزوجة الجديدة على درجة من الرصانة والتعقل تمنعها من المعاملة بالمثل، فقد كانت أشد غلظة ونفوراً، ولأنها حديثة عهد بهذه الأجواء فقد كان لها لديها طاقة أكبر للشطح والنطح وامتلاء القلب غلاً وكمدا.. في هذا النوع من المشاكل، لا تلتفت الأطراف المتحاربة إلى بقية مكونات الأسرة، فالصغار يقعون فريسة لهذا الصراع، خاصة إذا كان غير متكافئ، إحدى كفتيه تتفوق على الأخرى، فيترك هؤلاء نهباً للضياع ومشاعر القهر التي تخلف وراءها قلوباً ضريرة وأعين دامعة. وكما يقال «الطبع غلب التطبع» أظهرت الزوجة الأخيرة الشابة قسوة مفرطة، تجاوزت ضرتها إلى أطفال هذه الأخيرة، فأضحت في نظرهم وحشاً عنيفاً لا يفرق بين صغير أو كبير، ولم يكن الزوج «ع» بالقادر على معالجة هذه المسائل، فالأطفال لا يجدونه إلا في أوقات قليلة ونادرة، وإن جلس معهم أو تحدث إليهم فإنهم لا يفضون إليه بما يعتمل داخل صدورهم نحو زوجته الجديدة، ربما يعتقدون أن محادثته في هذا الأمر قد تستجلب غضبه، وقد تزيد من قسوة زوجته أمامهم عندما تعلم بشكواهم منها، بالتالي فقد فضلوا أن يلوذوا بالصمت ويحتفظوا بالألم الذي بدواخلهم؛ وكأنهم يقولون بأن زوجته قد انتزعته منهم، وما من جدوى لفتح حديث معه حول العلاقة المتأزمة والشائكة التي تجمعهم بتلك المرأة المتسلطة، والتي تستمد تسلطها ولؤم طباعها من حظوتها لديه. في الفترة الأخيرة، وصلت الأزمة داخل المنزل إلى ذروتها، ولم تعد الزوجة الأولى «أم الأطفال» تطيق الدخول في صراع آخر مع ضرتها، فقررت مغادرة المنزل والعودة إلى بيت أهلها، تاركة الأطفال بما فيهم آخر العنقود، الصغيرة «أماني» التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها، ليمكثوا في منزل أبيهم وعند ضرته اللئيمة النفس والقاسية الطباع، لتبدأ بذلك فصول جديدة من حياة التعاسة والشقاء في حياة الأبناء كان خروج الزوجة الأولى من المنزل بمثابة نصر، اعتبرته الزوجة الأخيرة، وقد بلغ من حيلتها أن خففت من وقع خروج ضرتها عن المنزل في نفس زوجها، ضاربة له الوعود بأنها ستقوم بشؤون المنزل خير قيام ولن تألو جهداً في الاعتناء بأطفاله والعمل على راحتهم وبما ينسيهم عدم وجود أمهم بقربهم في المنزل، اكتفى الزوج بتصديق حديث زوجته الأخيرة، وسرعان ما نسي موضوع رحيل الزوجة الأولى عن المنزل، وترك أمر مراجعتها وإعادتها للمنزل إلى أجل غير مسمى. وبالنظر إلى قضية رحيل الزوجة الأولى عن المنزل، فإن هذا الأمر لم ينتج عنه إنهاء لحالة الاحتقان الموجودة في المنزل، بقدر ما شكل ذلك بداية لعهد أسوأ من سابقه، وهذه المرة كان الطرف الآخر ليس الضرة بل أطفالها الذين وجدوا أنفسهم في صراع مرير وسط تزايد قسوة زوجة أبيهم وتطور أساليبها في العنف والإيذاء إلى درجة وصول الأمر لقيامها بمد يدها واستخدام لغة الضرب معهم وهم الذين لم يعهدوا قيام والدتهم بمد يدها عليهم أو ضربهم على هذ النحو، فيما بدا أن زوجة أبيهم استمرأت هذه اللعبة الحمقاء طالما أنها لم تجد من يردعها أويوقفها عند حدها، فبدأت تتشكل في الأفق ملامح الكارثة وإسدال الستار على فصولها الأليمة. صبيحة ذلك اليوم، كان الزوج خارج المنزل في عمله، وكان الأولاد بالمدرسة فيما زوجة الأب موجودة بالمنزل وليس من أحد بجانبها سوى ابنة زوجها «أماني» «أصغر أطفال زوجها» طلبت منها القيام بعمل ما في المنزل، فرفضت الصغيرة التي تكن لزوجة أبيها كراهية مقيتة بسبب معاملتها، جن جنون زوجة الأب وقامت تضرب رأس الصغير بعنف وتكيل اللطمات إلى وجهها حتى اندفعت الدماء من أنفها ورأسها ومازالت زوجة أبيها تضربها في رأسها ووجهها حتى سقطت الطفلة قتيلة على أرض المنزل ..تحفظت الشرطة على زوجة الأب القاتلة قبل إحالة ملفها إلى النيابة المختصة بالمحافظة.