يقدر عمره ما بين العشرين والخمس وعشرين سنة، يشبه الميت المحنط أو الحي المجفف، يدخن السيجارة دون توقف ويقول صديقه الذي همس في أذن شخص آخر كان ينظر إليه باستغراب إنه «يولع» السيجارة من السيجارة ولا يكف عن مضغ القات صباحاً ومساء . أخذ في الآونة الأخيرة يهذي طوال الوقت، أنا مشلول.. أنا بحاجة إلى جسد جديد، يعترف أن ما يقوم به هو السبب في الضمور والجفاف بحيث يعتقد أحد الصحيين أنه فقد السوائل بنسبة ثمانين بالمائة، إذ لا يختلف منظره عن الأطفال الذين يصابون بالقيء والاسهال لعدة أيام ولا يوحي ببقائهم على قيد الحياة إلا التنفس الصعب والنظر بعيون غائرة في محاجرها. قال له قائل: ما دمت تعرف سبب ما أنت عليه فلماذا تواصل تعاطي القات والتدخين؟ هل تريد أن يعزلك أحد عن أسرتك ويمنع عنك القات والسجائر لمدة تستعيد فيها أوصافك كإنسان غير مشلول البنية والتفكير وتوفر ما تخسر عليهما يومياً من الطعام الضروري والنافع لأسرتك خاصة الصغار منهم؟ فقال..أنا بحاجة إلى العزلة فعلاً دون أن تكون زنزانة كالتي يوضع فيها القتلة والمجانين الخطرون، لأن كل المحاولات معي باءت بالفشل لإقناعي بالإقلاع عن «الولعتين» ولست أبالي ولا ألوم بالأصح من يتهمني بكل ما ينطبق على المجانين أو العقلاء غير المستقيمين ، لأن الاستقامة تتحدث عنها سلوكيات وتصرفات الانسان إزاء نفسه وأولاده وكل الناس، وأنا اعتبر نفسي. غير صالح في المجتمع ولولا أنني أعرف أن قتل النفس حرام لقتلت نفسي. كلام غريب، أغرب منه أن يعرف هذا الشخص عيوبه وضعف نفسه أمام شهواته أو رغباته غير المحرمة شرعاً ولكنها أصبحت مجتمعة أو منفردة من مسببات الموت المفاجئ أو الموت البطيء أو الاعاقة الدائمة كالشلل الكلي أو الجزئي، وهذه الإعاقات تدفع بعض الناس إلى الانتحار أو ارتكاب جرائم قبل الوصول إلى الموت السريري أو فقدان الحركة إلا بكرسي متحرك.. قال لي أحد الأشخاص الذين زاروا دولاً أوروبية بمرافقة ذويهم المرضى أن هناك جمعيات عديدة لا تتوقف عن العمل في البحث عن المحتاجين للمساعدة النفسية والمادية لانتشال أمثال هذا الباحث عن جسد جديد من أوهامهم واعادة تأهيلهم وجرّهم بالتوعية إلى أعمال ووظائف تدرّ لهم الرزق ولا يجدون صعوبة في الحصول عليها للتجاوب الذي يظهره المجتمع بالتبرعات بما في ذلك الشركات سواء المؤسسات المصرفية بالإضافة إلى الدعم الحكومي من خلال وزارات العمل والشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة والصحة ومراكز التدريب وتلك المجتمعات تراقب أعمال الجمعيات الخيرية فتحجب التبرعات عن طريق الفاشلة منها وتعطيها لمن هي أو هم من أنشط منها، أما السلطات فتعاقب وتحاسب وتحظر أي نشاط لا يلمس خيره ولا ثماره.. فأين نحن من هؤلاء الذين يصبرون على عمل الخيرات كما قال الحاج أحمد هائل سعيد أنعم في أحد اجتماعات معهد تنمية ذوي الاحتياجات الخاصة وهو يتحدث عن الصعوبات التي يواجهونها لدى بعض الجهات المعنية بدعم هذا المعهد بقدر الامكان وحسب.