منظمة اسرائيلية تدعى "بتسنيم" أصدرت شهادة لم يتجرأ على قولها أحد ممن حاولوا التحقيق في جرائم الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة بداية العام الحالي.. أما هذه المنظمة فقد بحثت بشجاعة وصبر عن الحقيقة في دحض أقوال الجنرالات الاسرائيليين أنهم التزموا المعايير الأخلاقية والإنسانية في ذلك العدوان الذي استمر أكثر من عشرين يوماً استخدمت فيه أحدث الأسلحة الأمريكية الفتاكة. لقد أحصت هذه المنظمة على مدى الأشهر الثمانية الماضية عدد الشهداء الذين حصدتهم القنابل المحرمة والقذائف الثقيلة والصواريخ، فوجدت أن ما يزيد عن نصف الشهداء الذين فاق عددهم الألفين هم من الأطفال دون سن الست عشرة سنة!!. وذكرت أنها زارت الأسر الفلسطينية التي تقطن الخيام والبيوت الآيلة للسقوط جراء تلك الحرب، واطلعت على الوثائق، واستمعت لشهادات وشاهدت صور الأطفال الشهداء، واستعرضت أسماءهم وشهادات ميلادهم؛ حتى يكون تقريرها مستكملاً وخالياً من أية ثغرة قد يكذبها أولئك الجنرالات وعلى لسان ناطقهم الرسمي الذي كان يظهر بين الفينة والأخرى أثناء الحرب يتحدى من يقول إن جيشه كان يتعمد قتل المدنيين ويستخدم الأطفال دروعاً بشرية. وكان يزعم أن حركة حماس هي التي كانت تفعل ذلك مما يضطر جيشه في بعض الحالات - كما يقول - إلى قصف الأماكن بقدر من الحرص الشديد على أرواح الساكنين واقتناص المسلحين فقط!!. وكانت منظمات أوروبية وأمريكية قد برأّت «حماس» من تلك التهمة؛ لكن الجيش والمسؤولين الاسرائيليين تمسكوا بالإنكار، وكرروا وصف انضباط الجيش الذي لا يُقهر بالأوامر والقوانين المحلية والدولية حسب زعمهم في عدم إلحاق الأذى بالمدنيين في زمن الحرب. وفي بعض الحالات اعترفوا باستخدام قنابل الفوسفور الأبيض غير المحرمة لحماية قواتهم من نواظير الفلسطينيين المقاتلين بما تبعثه من سحب كثيفة تحجب الرؤية. إلا أن الصور التي كانت تلتقطها عدسات التلفزيون المتعددة كانت تصوّر الآثار المدمرة لتلك القنابل وخاصة قنابل جديدة - لا أذكر اسمها - وصلت أثناء العدوان؛ وهي من صنع أمريكي تحدث تمزقات في كل أنحاء الجسم غير مرئية، وأخرى تفتت لحومهم وتشل حركتهم ولا يمكن إنقاذهم، وكانت أجزاؤها تشتعل لعدة دقائق فيما الأهداف التي ضربتها قد تحولت إلى رماد وأنقاض. إن هذا التقرير يأتي في الوقت الذي أعلنت فيه منظمة اسرائيلية أخرى وهي حركة "السلام الآن" أن رئيس الحكومة الاسرائيلية نتن ياهو ووزير الدفاع ايهود باراك أصدرا أوامر ببناء آلاف الوحدات السكنية في الضفة الغربية وخاصة القدس الشرقية رغماً عن دعوة الرئيس الأمريكي أوباما لهم بتجميد الاستيطان لفترة موقتة. قائلين بأن هذه الوحدات والمستوطنات الجديدة أو التي تسمى «نمواً طبيعياً في المستوطنات القائمة» كانت الإدارة الأمريكية السابقة قد وافقتهم على بنائها؛ أي أنهم الآن لا يلتزمون للرئيس أوباما بأي شيء يخالف ما شجعهم عليه سلفه الرئيس بوش. وبدلاً من الاستجابة للأمريكيين الجدد في البيت الأبيض وللأوروبيين بالتوقف عن الاستيطان أخذت هذه الحكومة في اسرائيل أقصى التطرف والتحدي بما صرح به وزير الخارجية ليبرمان قبل أيام من أنه يريد إلغاء ملف القضية الفلسطينية نهائياً من وزارته، ورافضاً أي تدخل حسب قوله في حق اسرائيل أن تفعل ما تشاء في أية بقعة من أراضيها الموعودة. وظهر بعض المتطرفين من المستوطنين يحذرون من أنهم سيعملون على تحقيق الحلم الكبير بإقامة "اسرائيل الكبرى" من نهر الأردن إلى البحر، وما على الفلسطينيين خاصة والعرب عامة إلا التسليم بالأمر الواقع. لأنهم - أي العرب - أضاعوا الفرص الكثيرة لتحقيق السلام، أما الآن واسرائيل أقوى من أي وقت مضى فلن تتراجع عن أخذ حقها بالقوة إلى أن تصل إلى ما هو أبعد من الحدود التي ذكرها. فلماذا لم تشكو السلطة الفلسطينية اسرائيل على تلك الجرائم التي تسلمت نسخاً من تقارير تلك المنظمات فيما يتعلق بجرائم الحرب على غزة؟!. أما الاستيطان فهو يتم أمام أعينهم على مدار الساعة ومنذ مؤتمر "أنابولس" الذي كان بمثابة الإشارة لاسرائيل بالتوسع السريع في الاستيطان وعدم الخوض في تنفيذ ما ذكر في حينه بأنه قد توصل إلى إقناع أيهود أولمرت، رئيس وزراء اسرائيل السابق بالتوقف عن الاستيطان للبدء في مفاوضات الحل النهائي للصراع الاسرائيلي - الفلسطيني.