من بين الصفات الأكثر سلبية في مجتمعنا اليمني «اليأس» تلك الصفة السيئة التي تدفع الناس إلى الاستسلام لرياح الحياة العاتية أو حتى نسائمها الصافية دون التفكير في إمكانية تغيير الواقع أو تسخير امكانياته لصالح المجتمع بأكمله. صفة اليأس التي أعنيها ليست بتلك التي توصد أبواب الرجاء دون روح المرء بل هي تلك التي تكون فيها الروح قانعة بالخوف حتى وإن أصبح اسلوب حياة ونمط معيشة.. «الحاصل» هي الكلمة الشائعة والمصطلح المشهور الذي يعبر عن حياة الخوف.. خوف من التغيير أو الظهور أو التعبير عن الاحتياجات.. مجتمعنا يستخدم كلمة«الحاصل» في كل شيء.. فيرضى بأوضاع معيشة متردية تعليم متدنٍ أساليب معيشية خاطئة.. رواج لصبغة الجهل التي تصبغ شعباً كاملاً.. نرضى بمستوى غذائي متدنٍ للأطفال يبني الجسم.. عربات البطاطا المكشوفة.. حلوى السُكر.. أقراص الجبن البلدي العارية.. كميات الشطة الهائلة «جاف وسائل» التي يسفها الأطفال سفوفاً.. السكاكر الملونة قريبة الانتهاء التي تملأ دكاكين الحارات.. حتى المقصف المدرسي لايلتزم بالنظافة الوقائية الأولية كأسلوب حياتي متحضر.. والنتيجة أطفال فوضويون.. ليسوا بصحة جيدة.. يرضون بفضول العيش.. «أطفال الحاصل».. نسيرُ جميعاً على شوارع قذرة.. بؤر صرف متحررة.. مخلفات بلاستيكية وكرتونية تملأ الأزقة.. لم يفكر عاقل سوق.. أو عاقل حارة بعمل حملات نظافة تخدم الصالح العام.. يقوم بها شباب الحارات الذين يفرغون طاقاتهم في أكل القات«ومستلزماته من سجارة وشيشة ومعسل وربما حبوب..» وحتى السرقة والعصابات المؤجرة ومعاكسة الفتيات.. وآباء صامتون يرضون بحالٍ هزيل يعيشهُ جيل بأكمله.. «شباب الحاصل».. تقع الفتيات ضحايا لفلسفة تكنولوجية لعينة لم تورث خلال سنوات بسيطة ماضية إلا بُقعاً سوداء لطخت وجه المجتمع المختبئ خلف نقاب العيب والخطأ والنتيجة.. «فتيات الحاصل» .. ثم تقنع المرأة برجل يكبرها أجيالاً.. ورجل يهضم حقوقها ويحطم كبريائها وينسج حولها خيوط العنكبوت القاتلة ثم تُرمى على أقرب رصيف بعد انتهاء مُدة صلاحية محدودة كل مكونات مادتها جسد.. لاروح.. لافكر.. لاإرادة.. جسد يستخدم لأغراض مشروعة وربما غير مشروعة ثم يُرمى.. «نساء الحاصل» منازلنا لصيقة ببعضها البعض.. لا أسرار لبيوتنا.. لأنه لاأفنية تفصل بيتاً عن آخر.. الأرض عندنا أغلى من الانسان.. وسوء التخطيط يغمر حياتنا من أسفل نقاطها إلى أعلاها.. وحتى في تخطيط المنازل نفسها إجحاف في حق ساكنيها خاصة المرأة فمطابخ البيوت سجون وحماماتها زنازن انفرادية وصالاتها زُقاق في حارةٍ شعبيةٍ قديمة.. واستغلال المُلاك لقطرة الماء الواحدة التي تلفظها صنابيرنا الحُبلى بالملح موضوع آخر.. يصور حالة سيئة أخرى يعيشها مجتمعنا«فقير متكبر» هي أفضل وصف وجدته للتعبير عنها.. إذاً فتخطيطنا في بناء بُنية تحتية «تخطيط الحاصل».. وتعاطينا مع الآخرين«الحاصل» معلمون ومعلمات يطرحون الأمانة في الأداء أرضاً ويكتفون برؤوس أقلام للطلبة.. رؤوس أقلام ليس في مجال التحصيل فقط.. إنما حالة القُدسية التي يجب أن تغلف المدرسة والمدرسين معاً هي حالة مفقودة والنتيجة أن يكون تحصيل أطفالنا الدراسي «تحصيل الحاصل».. ثم نكبر ويكبر أطفالنا بلا إتيكيت ولابرستيج ولا أخلاقيات راقية.. كل مافعلناه أننا زوجنا رجالاً أخلاقياتهم الحاصل«في ظل سياسة ما يعيب الرجّال إلا جيبه».. على نساء تربين على الحاصل لينجبن أطفالاً تغذيتهم الحاصل.. تعليمهم الحاصل.. عطاؤهم للوطن «الحاصل».. وأؤكد على ماسبق بأننا شعب الحاصل.. حين سكت عن انقطاع التيار لمدة ساعتين يومياً صباحاً ومساء.. ثم أربع.. ثم ست ثم ثمان ثم اثني عشر ساعة متواصلة بالذات في مناطق معينة مثل بيرباشا لأننا رضينا بالحاصل فلم يكن لنا قرار أو اختيار.. بل اتجهنا مباشرةً لشراء مختلف أنواع الكشافات والمولدات.. والنتيجة أننا سنبقى شعب الحاصل.. الخاضع القانع.. الشعب الذي يستمطر الحُرية.. على أرصفة بضاعتها بشر من لحمٍ ودم.. لكن لحمهم نهشته آفة الاستسلام.. ودمهم جمدتهُ في العروق قلة الرغبة في السير إلى عالمٍ نظيف خالٍ من المشردين.. المتسولين الأطفال الرقيق.. النساء القاصرات.. صحيح أننا لن نصل إلى مجتمع ماعاد على شوارعه مشردون إلا «الكلابُ الضالة» الكلاب التي تحملها سيارات خاصة لتعيدها إلى أصحابها «سالمة غانمة» وصحيح أننا نشجع حُرية الفرد واستقلاله وحصوله على حقهُ في الحياة لكنها مجرد شعارات لم نستطع أن نجعلها واقعاً لنا والسبب واضح أننا راضون بما نحن عليه وإن كان الواقع اليوم يحرك أوراقهُ في اتجاهٍ آخر لكن «الحاصل» الذي تعود عليه العامة والخاصة.. جعل من سُفرة العادات.. ومائدة التقاليد.. وليمة الكُل مدعو إليها.. والدعوة عامة للجميع.. حتى لو لم يطعموا أو يشربوا.. أو يروا.. أو يسمعوا ماوضعته الطبيعة.. أو صنعته المشيئة.. على مائدة عظيمة.. نحنُ ضيوف على «حاصلها».