الموسيقى المجردة تنتظم في إطار الهارموني والكونترابنكت، والتراتب النغمي، والإيقاع، والتكّات «النمنمات الإيقاعية والتوالي الانسيابي، وغيرها من عناصر تعبيرية»، ومن المعروف أن الموسيقى يمكن ترجمتها إلى حروف وألوان وأرقام وذلك بحسب السلم الموسيقي السباعي النغمي الذي سُمّي سلماً؛ لأنه يؤشر إلى الارتقاء من الأدنى إلى الأعلى، والعكس أيضاً من الأعلى إلى الأدنى، وبنفس القدر سنجد أن الألوان المرئية محكومة بذات السلّم اللوني الذي يتقاطع مع الموسيقى ويأخذ ذات الصفات في الارتقاء والهبوط، التدرج من أعلى إلى أدنى، والعكس، وهكذا سنجد أن كل ما يقع تحت البصر يتموضع في أساس الإيقاع والتضاد والتناغم والتوالي والتراتب والتصاعد والتهابط، حتى إن ما هو اعتباطي ظاهراً ليس كذلك في الحقيقة، وسنجد أن الفنان العامّي المتناغم مع الانطباع البسيط، والسريالي المهجوس بالأحلام والمنامات، والتجريدي الباحث عن الغنائية البصرية المجردة .. الهارب من التجسيد، وحتى التأثيري الرائي لما يتجاوز المفهوم اللوني إلى تخوم ما يمكن أن يُرى من ألوان افتراضية تتناغم مع مصادر الضوء وتقلبات الأزمنة .. كل هؤلاء يُدللون على أن كل مرئي محكوم بقيم موسيقية، لا يتعلق الأمر بالكائنات الحيوانية المنتظمة في أساس التشريح الجسدي الجميل والمتناغم مع نوع حيواتها، بل أيضاً في النباتات والجمادات التي تحمل في دواخلها حياتها الخاصة، ولهذا كان علماء الجدل الفلسفي مُحقين عندما رأوا في كل ساكن متحرك، واعتبروا دوران الكون ترميزاً لمدارات صغرى لامتناهية مما نجد حضورها الأقصى في الموجة السمعية، فالموجة السمعية موجة دائرية، وهي تماماً عكس الموجة البصرية المستقيمة، والحال فإن تواشج الموجتين السمعية والبصرية تعطي للأولى «السمعية» مثابة أكبر، وللحديث صلة.