أزعم أنني من أكثر مُتتبعي التجربة الفنية الفريدة للفنان السوداني عبدالقادر المبارك، فمنذ أول المشاهدات تبيّن لي أن الفنان المبارك يمتلك جُملة من الخصائص الفنية التي يتفرّد بها، وخاصة ما يتعلق منها بالقدرة الاستثنائية على استخدام الأكواريل “الألوان المائية” والتي أفضت به لاحقاً إلى تنامي الذائقة اللّونية الأصيلة، ليكون الأكواريل رافعته الاستثناء في التجوال مع أُعجوبة الاختراع اللوني الأمريكي «الأكريلك». المقدرة اللّونية الاستثنائية للمبارك ليست صادرة عن امتلاك معرفي وجمالي لناصية التكوين الأكاديمي فقط، بل أيضاً عن الدربة المديدة والشيِّقة التي تجعل منه أحد أكثر الفنانين العرب والأفارقة انسجاماً مع ديدنه في التقدُّم بخطىً واثقة ورصينة في آن واحد؛ فدأبه على الاستمرار في الانشغال والإنتاج الفني المتنامي، يتوازى مع روحية متماهية مع غنائياته المشهدية الصادحة، فألوانه تنساب ضمن متوالية من التناغم الذي ينزاح في فضاء التجريد التعبيري المُوشّى بغنائية جُملة بصرية زاهية كقوس قزح. وتبدو تكويناته الواثقة موازية لمعادلة الثابت والمُتغيّر، وفي أساس الرسوخ القابل لتحولات لا متناهية. ومن هنا نستطيع استجلاء منطق التحولات البصرية المُدوزنة بمقام الثبات.. النابعة أيضاً من وراء سديم الجمال للتجرية المنسابة حد الاحتياط. تتماهى التمائم الفنية في جولة الفنان عبدالقادر المبارك، حتى إنك ترى التماوجات اللونية المُحايثة للفراغات الدالة، بجوار النمنمات الصادحة بالترانيم البصرية، والرقش المُعْتد بالتكرار التطهري الذي هو كالسُّلم الموسيقي الخماسي، والتقطيع المونتاجي المستأنس بلمعة البياض الناصع القادم من الخلفية المحايدة للّوح، بالإضافة إلى عناصر أُخرى كثيرة يمكن استجلاء أبعادها الذوقية بمجرد المشاهدة الأولى لأعماله. [email protected]