العناصر المتداخلة في الدراما المسرحية أشبه ما تكون بالفصوص ذات الأصل الواحد والأشكال المتعددة، فالمسرح يعتمد الكلمة المكتوبة والمنطوقة، ثم مركزية الممثل المُتجسّد بهيئته الآدمية ودونما وسائط تقنية فيزيائية كالسينما، ويتفاعل مع الحضور البشري الموازي لحضور الممثلين بل المتناغم معهم سواء كان المسرح أكاديمياً أو واقعياً تجريبياً، وإلى ذلك تلعب المؤثرات المختلفة ذات الأدوار المكملة لما أسلفت، وكأن كل تلك العناصر بمثابة فصوص لنبتة واحدة جذرها المسرح ومزاجها التنوع الفني ومصائرها الازدهار، أو الموت تلاشياً وخبواً، والشاهد أن المسرح الناجح هو القادر على مزج تلك العناصر باعتماده كيمياء الفن السحرية .. أما المسرح الفاشل فانه كالنبتة مُتعددة الفصوص ولكن غير المروية بالماء، والمعرضة للملوثات..إذا كانت فصوص المسرح تتناغم جبراً لا خياراً، فإن هذا التناغم يعتمد لغة الفن في أُفقي التماهي الغنائي البصري والصوتي، وأيضاً التضاد الفني الذي يحمل في دواخله قيماً تعبيرية درامية مؤكدة، فالحوار الثنائي يستقيم على “ الهارموني “ حيناً “ و “ الكونتراس” حيناً آخر، وهو فيما يتناوب ثنائية “ التناغم / التنافر “ يتموْسق مع المرئيات اللونية المشهدية، المدوْزنة أيضاً بالمؤثرات الصوتية المناسبة، فتصبح العناصر الفنية المتفاعلة كفصوص النبتة الطازجة الجميلة الحيّة ..هذه الصناعة تتطلب مرجعيات فنية وفكرية وتقنية دونها “ المايسترو” القادر على قيادة اوركسترا العمل الفني المسرحي، ومن هذه الزاوية بالذات يمكن استيعاب مركزية المخرج في صناعة الأثر الفني الدلالي للعمل المسرحي .. ذلك المخرج المُطالب بفن التعامل الحذر الواثق مع عناصر تتداخل في وحدتها، فيما تتشظّى في أصولها ومنابتها، فاتحةً المجال لفجوات ومصائد وفخاخ لا أول لها ولا آخر، والحال فإن فن الفنون الممزوجة هو أيضاً فن الفنون المتناثرة المتشظية، والعبرة في من يتعامل معها . يقول البوصيري : فالدر يزداد حسناً وهو منتظم وليس ينقص قدراً غير منتظم لكننا هنا لسنا بصدد التعامل مع الدُرر الجاهزة، بل مع عناصر أشبه ما تكون بمحارات البحار الكئيبة في ظاهرها، والحاضنة للجواهر في باطنها، لأن المحارة تحتوي على لؤلوة جميلة ولا يستطيع أي كان أن يستجلي اللؤلوة إلا إذا امتلك الإرادة والمعرفة والذائقة، فما بالك من يريد تنظيم هذه اللآلئ ضمن مصفوفة تحقق النسق والانتظام لعناصر تحمل قيماً جمالية ودلالية معاً ؟.