التشكيل كغيره من أشكال الفنون يتمحور حول النص، ذلك إن النص تعريفاً لا يتعلق بالكتابة فقط، بل يشمل كل أشكال التعبير الممكنة سواء بالكتابة أو التصوير، وكذا الموسيقى وأشكال التعبير المحتملة، والشاهد أن “ الاتصال غير اللفظي” الذي نجد ظلاله في كل أنواع الفنون إنما هو اتصال نصّي بامتياز، من حيث أن الاتصال تلخيص مكثّف للمخاطبة بين طرفين وأكثر، والحامل لهذا الاتصال قد يكون مكتوباً أو مسموعاً أو مرئياً أو إشارياً .. الخ . من هذا المنطلق يمكن ملاحظة الشمول الدلالي لمفهوم النص، بالترافق مع تحولات ذلك النص، فالنص المكتوب يحمل في طيّاته وتضاعيفه بُعداً بصرياً مؤكداً، لأنه مكتوب باعتباره رسماً جميلاً، وحركات تتداعى على بياض الصفحة ضمن توازن معلوم، واعتبارات وفراغات تتناوب التأثير على المتلقي كأي لوحة اعتيادية، والنص مُموْسق بالضرورة لأنه يحمل أبعاداً صوتية ظاهرة وأُخرى مستترة، فالبُعد الصوتي الظاهر يُسمع حال القراءة، والمُستتر يتناغم مع العوالم الداخلية لمُتلقي ذلك النص، وهكذا يكون ميزان النص المطلق مُعادلاً موضوعياً لموازين الكون والوجود، يتموْسق مع تلك الموازين ويعيد إنتاج نواميسها . من هذه الزاوية يمكن استسبار الشمول المعنوي، الدلالي، الشكلاني، الموسيقي للنص.. والحال أيضاً فيما يتعلق بالنص البصري . اللوحة شكل من أشكال النصوص البصرية، ومعها تنتظم سلسلة من الأشكال اللا متناهية، وبمسميات وخصائص مختلفة «منفصلة ومتصلة»، والشاهد أن تاريخ الفن التشكيلي يقدم لنا سلسلة المسميات الدالة على أنواع الفنون البصرية، كالرسم والتصوير، وكالنحت الواقعي، والبناء المفاهيمي للعناصر، وكالواقعية والتجريد. وهذه المسميات بمجملها تعوم في بحار أخرى للتقاطع مع الفنون المختلفة كفنون البيئة والعمارة والموسيقى والخط والفراغ والمتواليات والمتتاليات، والتضادات، والتناغمات... الخ الخ . نحن إذاً أمام نص بصري يتقاطع بصورة رشيقة مع مختلف أشكال الفنون من جهة، ومع المعاني الحاملة للمضمون من جهة أخرى، حتى أن علم جمال الشكل لا غنى له عن المضمون، ولا غنى لعلم جمال المضمون عن الشكل. [email protected]