من اسمها«الزبّاء بنت عمرو» المشهورة ب «زنوبيا» يمكن استخلاص أصلها العربي الجاهلي، وقد دخلت تاريخ الملوك والأمم من أوسع أبوابه، فقد امتدت مملكتها بما يتناسب مع صفتها التاريخية «صاحبة تدمر وملكة الشام والجزيرة» ، وقد اختزلت سيرتها السياسية الصراعات متعددة الأبعاد التي كانت قائمة بين الامبراطوريتين الرومانية البيزنطية والفارسية، وهي صراعات دارت رحاها في المنطقة العربية وخاصة في الشام وتخوم الجزيرة، وكان العرب يقعون بين فكي كماشة تلك الصراعات، الأمر الذي يُفسر العلاقة المُلتبسة بين الزبّاء بنت عمرو «زنوبيا» وزوجها «أذينة» سيد الشرق الروماني والتي انتهت بموته وتوليها الحكم من بعده، وصولاً إلى تهيئة ابنها لتثبيت عرشه وتقوية دولته التدمرية العربية، غير أن الإمبراطورية الرومانية لم تقبل بخروج دولة الزباء التدمرية عن طوعها فجرت حروب طاحنة انتهت بغلبة الامبراطورية الرومانية واعتقال الزبّاء بنت عمرو «زنوبيا» ونفيها إلى روما. عرفت الزبّاء بالحكمة وطول النظر والثقافة الواسعة، فقد كانت تجيد الحديث بلغات عصرها وتؤلف الكتب، فبالإضافة إلى العربية كانت تجيد الآرامية واليونانية والقبطية، وكانت مواكبة للثقافة اليونانية، تقرأ هوميروس كما تقرأ نظرات الفلاسفة اليونانيين سقراط، وأفلاطون، وأفلوطين، وأرسطو وغيرهم، وخلال فترة حكمها المديد تاقت دوماً الى بناء إمبراطورية عربية راسخة الجذور، لكنها لم تكن تتعصب ضد الآخرين ممن لا ينتمون إلى بني جلدتها بل تبحث دوماً عن القواسم المشتركة مع الآخرين، الأمر الذي تجلّى في منهج حياتها ودراساتها اللغوية والفكرية ومؤلفاتها. وصل الأمر بالزبّاء الى عدم الرضوخ لمركزية وهيمنة الإمبراطورية الرومانية الكبرى التي كانت في تلك الأيام تُمثل أقوى قوة في العالم، ولم تشأ أن تتخلّى عن مشاريع رؤيتها بإقامة دولة عربية شاملة، فكان رد فعل الرومان التخلّص منها ومن مشروعها، وكان لهم ذلك بعد سلسلة المعارك الدامية التي أومأت إلى قوة الإمبراطورية الرومانية وقدرتها على تجييش كثرة كاثرة من المقاتلين، وبإمكانيات لوجستية ومالية واسعة، لكن التاريخ لم يرحم تلك الامبراطورية بل كشّر لها أنياب الدهاء والمكر، فقد كان الصراع المحموم بين الدولة التدمرية العربية بقيادة الزبّاء والإمبراطورية الرومانية بمثابة بداية البداية لانهيار تلك الامبراطورية تمهيداً لبزوغ فجر الإسلام في المعمورة . زنوبيا تركت المُلك للمجد، وظلت آثار دولتها شاهداً كبيراً على حجم المنجز والحلم . زنوبيا العربية السمراء ذات القوام الرشيق والوجه الجميل واللسان الفصيح انكسرت أمام جبروت الرومان، لكنها لم تستسلم، ولم تقتنع بأقل من المجد فكان لها ذلك .