الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الحاكم والمعارض والمستقل، الفقير والغني، المغتربون ومن هم داخل الوطن، وكل من يحمل الجنسية اليمنية يتحدثون بقلق عن أوضاع البلاد، ويلعنون الذين زجوا اليمن في هذه الفتن، ويتفننون في التعبير عن وطنيتهم، ونزاهتهم، حتى جعلونا في حيرة من أمرنا، نسأل أنفسنا: إن كان جميع أبناء اليمن مدركين للخطر المحدق ببلادهم، فيا ترى هل ثمة كائنات فضائية تقف وراء كل ما يجري في اليمن ؟ لقد تعلمنا من رجال الأمن أنهم عندما يحققون في جريمة يبحثون عن «المستفيد» من حدوثها.. ونحن أيضاً سألنا أنفسنا : يا ترى من المستفيد من كل الأزمات التي تداهم اليمن بين الحين والآخر ؟ وفي كل مرة نطيل التفكير فيها عن إجابة ينتهي بنا المطاف إلى جواب واحد فقط هو : «قوى الفساد»! ولا شك أن للفساد ألواناً مختلفة.. فتجار السلاح يقفون في مقدمة الطابور. وسرطانات الفساد المالي يجدون في الأزمات ما يشغل عيون الرقابة عنهم، ويبعدهم عن طائلة العقاب والمحاسبة..وبعض المتاجرين في الأسواق يجدون أيضاً في الأزمات فرصتهم للتلاعب بالأسعار والحصول على الاعفاءات الجمركية، والفوز بصفقات التموين الكبرى لمختلف أطراف الصراع. وهناك أيضاً السياسيون الفاسدون الذين يعتبرون الأزمات فرصتهم الذهبية في الظهور على واجهات وسائل الإعلام، وإلقاء الخطب الحماسية، وتسويق أنفسهم في الشوارع كثوار ومناضلين ومحررين أفذاذ لايضاهيهم ببطولاتهم أحد.. بل ويجعلون من الظرف الحرج للبلد مناسبة لابتزاز الدولة. هناك ألوان عديدة للفساد - وبتقديري - أن جميع هذه القوى متحالفة مع بعضها البعض الآن سواء كانت ذات صفة حزبية أو صفة مستقلة.. فهم وحدهم المستفيدون من كل ما تشهده اليمن، وهم أيضاً المتهم الأول والأخير بكل الأحداث.. لأنهم وحدهم من يملك المال والثروة القادرة على تمويل مسيرات التخريب اليومية، ومنابر الفتنة وبث ثقافة الكراهية. هؤلاء الفاسدون هم من يدفعون تكاليف الإعلام الانفصالية، وصور الخونة والعملاء، وتكاليف نقل المتظاهرين، والولائم والجولات المكوكية، وكل ما يحتاجه التمرد الحوثي لمواصلة القتال ضد الدولة.. وهي بالنسبة لهم مهما بلغت أرقامها من ملايين لا يرونها خسارة طالما ومصالحهم في ظل هذه الظروف تنتعش وتكبر. لكن مشكلتنا الكبرى في اليمن هي أنك عندما تذكر كلمة «فساد» الكل يتبادر إلى ذهنه أنك تقصد الحكومة.. إذ لا يوجد هناك من يسأل نفسه من أين تأتي هذه الأحزاب والقوى الانفصالية والجماعات الحوثية بكل هذه الأموال الطائلة التي تنفقها على المسيرات والولائم والجولات الخارجية والحرب في صعدة، والنشاط الإرهابي تحت مظلة «الحراك» ؟ أعتقد لو أن اليمنيين سألوا أنفسهم ذلك السؤال، وبحثوا له عن إجابة لعرفوا من يقف وراء حرب صعدة، وأعمال التخريب، ودعوات تمزيق اليمن ؟ ومن هو الذي يجر البلد إلى الأزمات ويقض مضاجع أبنائه.