ومما يؤخذ من الموقف القرآني من ابن سيدنا نوح أن الاحتكام لشرع الله والإذعان لعبادته أن المحاباة ممنوعة والمجاملة غير جائزة، وأن مقام سيدنا النبي نوح عند الله وقد كان عظيماً لم يشفع لابن نوح بأن يكون مع الناجين، لقد تخلت عنه عناية الله، وفي لحظة أن تتخلى عنك عناية الله، فإن الهلاك ماحق، ولهذا كان من الذكر الجميل قول المسلم: «لا حول ولا قوة إلا بالله». لقد عرفت بعض اصدقاء متحزبين، إذا هم فعلوا الإثم الكبير، فإن حزبهم يجد لهم العذر على الفور، وإذا اقترف غيرهم «لمماً» أو إثماً لا يكاد يذكر تقوم الدنياولا تقعد أو تقعد ولا تكاد تقوم!! ومن هنا فإن الواجب أن نقرأ القرآن ونتدبر آياته، فليس «القص» القرآني إلا عبرة وعظة لكل إنسان، يقول تعالى وقد سرد لنا قرآنه الكريم قصة يوسف وإخوته: «لقد كان في قصصهم عبرة» فالقصة، قصة غرق ابن نوح تعلمنا كيف ينبغي أن نتجاوز العواطف والمجاملات ولا نعمل حساباً للمحسوبيات، أكانت حزبية أو غيرها. فلا يعني انتمائي لحزب من الأحزاب أن أسكت على ممارسات خاطئة، بحجة أن سمعة هذا الإنسان ستؤثر على الحزب، وأن الأعداء أو الأطراف المقابلة ستتخذ سلوك هذا الحزبي ذريعة للنيل من حزبي ومكانته الاجتماعية، بل عليّ أن أكون أول من يستنكر السلوك الفاسد. هاهو سيدنا أبوبكر رضوان الله عليه يقول للناس: «إن رأيتموني مستقيماً فأعينوني، وإن رأيتموني معوجاً فقوموني». إن ابن نوح قصة عاطفية في المقام الأول، قصة أبوة لكأن المشهد ماثل أمام الأعين: ابن يغرق أمام عيني أبيه، الذي يدعوه للنجاة.. فلا يستجيب للنداء.. إن سيدنا نوحاً عليه السلام لم يكن منزعجاً من ابنه يلاقي حتفه ويواجه الموت رأي العين، ولكنه كان منزعجاً لأن ابنه اختار طريق الضلال والموت على الكفر!! هل نستطيع أن نقبل النصح، وننصح بعض أوضاعنا قبل أن تغرق السفينة ونغرق جميعاً؟ هذا السؤال هو الذي ينبغي أن يجيب عنه العقلاء.