(يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم). هذا حوار قرآني صوّر ما دار بين سيدنا نوح النبي عليه السلام وابنه العاق، الذي اختار طريق الضلال، طريق الغرق في بحر لجّي في ظلمات يغشاه موج من فوقه موج. والقرآن يصور مرةً أخرى عاطفة الأبوّة، أن سيدنا نوح يعلم يقيناً إعراض ابنه عن طريق الله المستقيم، ولكنه يظل موقناً بأن رحمة الله قريب من المحسنين، غير أن رحمة الله هنا اقتضتها حكمة ربانية بليغة؛ لتكون بمثابة عظات ودروس وعبر منها أن الإنسان ضعيف لا يقدر على الهداية دون توفيق من الله عز وجل. ولذلك فإن سيدنا إبراهيم يستعطف ربه بدافع الأبوّة: (إنه من أهلي) فيعلم الله نبيه نوح أن هذه العاطفة ينبغي أن تكون لها حاكمية، هي حاكمية النسب الديني العبادي لا القرابي، (إنه عمل غير صالح). إنه ميزان العدل، فلا اعتبار لقرابة ولا لنسب، وإنما الدين والمعتقد هو أساس العلاقات، وهذا منتهى التهذيب العاطفي والسلوكي الرباني. كأن الله يريد أن تتحدد العلاقات، بما فيها العلاقات ذات البعد الإنساني في ضوء العقيدة، في ضوء العقد بين الله المعبود والإنسان العبد، أو الإنسان العابد!!. ودرس آخر أن الذي كان مع الله نجا بركوبه السفينة، أما الذي أعرض عن الله فقد كان نصيبه الغرق والفناء. الشذوذ عن الجماعة هلاك وضلال، إنَّ الكبر والتعالي على الحق هذا مصيره، ولقد كان ينبغي أن يفيد الذين يخرجون على الأمة، وهم يدّعون الولاء لله ولرسوله، أن ينتظموا في سياق الجماعة الكبرى التي لا يمكن أن تكون على ضلالة، خاصة والخطاب يتناول عقيدتها ويتداخل تداخلاً سلبياً مع أعرافها وتقاليدها. نكشف للشعب اليمني أن الخطر قد لا يكون مفهوماً عند هؤلاء الذين خرجوا، بل قد يكونون هدفاً لاختراق أفكار ذات بعد استراتيجي تتجاوز الشعارات ذات الرنين الجماهيري، ومن ثم فإن أية علاقات لا ترتبط بسياق الجماعة على المستوى الديني والوطني مرفوضة، ومؤامرة تتغيأ طريق الضلال.