إنها نعمة وأيما نعمة؟ إنها نعمة وفرصة للتفاهم وفرصة للالتقاء وفرصة للتواصل وفرصة للتعبير الواضح عن رغباتنا واحتياجاتنا وطموحاتنا، نستطيع من خلالها تحويل أجواء المعركة اليمنية إلى واحات للسلام والأمن والنهضة والفلاح. إنها نعمة الحوار التي جلبها القدر إلى ساحة اليمن بعد صراعات عقيمة لم تنجب إلا الشحناء والبغضاء والثارات على امتداد عقود من الزمن، وها هي تحط رحالها بين أبناء اليمن الواحد لتقول لهم: إني نعمة أشد من موج البحر في يوم عاصف فإن لم تكونوا ربانين ماهرين للحوار بمنع الاستطراد وتجنب تداخل الأفكار وحل كل قضايا الوطن بالحكمة والموعظة الحسنة غرقت سفينة الحوار في بحر النقاش والجدل العقيم. وإذا سألنا أنفسنا هل مرحلة اليمن الآنية هي التي ذكّرتنا بالحوار؟ أم إن الحوار واجب علينا في كل وقت وحين؟ هل الحوار السياسي كافٍ لحل جل قضايا المجتمع أم إن هناك حوارات أخرى يجب أن تتذكرها عقولنا إن كانت متناسية لها؟ وماهي الوسائل التي تجعل الحوار ناجحاً؟ إن المستقبل المشرق هو من سيجيب على تلك الأسئلة بعبارات مفادها: لا يكون المستقبل مشرقاً إلا إذا كان الحوار دائماً، ولا ينهض المستقبل إلا إذا كان الحوار قاعدته وأساسه، ولا يتطور المستقبل إلا إذا تمتع أفراد الوطن جميعهم بنوايا صادقة إذا دخلوا في حوارات مصيرية، ولا تتحقق الديمومة إلا إذا عدنا إلى جذور الوطن وأساساتها المتمثلة في الجوانب التربوية والدعوية المنطلقة من فضاء الإسلام الرحب مقتدين بالقرآن الكريم والسنة النبوية اللذين أسسا قواعد الحوار ووسائله العظمى. إن الدين الإسلامي يحتم علينا ترويض النفوس بالحوار وقبول النقد واحترام آراء الآخرين ودعم النمو النفسي والتخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف والقلق ابتداءً من سن الطفولة مروراً بمرحلة الشباب ثم مرحلة الشيخوخة تحت إطارات البيت أولاً بالحوار بين الزوجين ثم الحوار مع الأبناء والبنات ثم الحوار بين الإخوة، وانطلاقاً إلى المدرسة والتي يجب أن تتجسد لغة الحوار بين المعلمين والمتعلمين وبين المعلمين ومديري المدارس والموجهين وغيرهم وانتهاءً بالجامعة وما في مستواها، فإذا أكملنا إطارات البيت والمدرسة والجامعة بصورة حقيقية وكان الحوار هو السمة البارزة في هذه الإطارات لاشك أن المجتمع سيتقبل هذه الفكرة ويجنح إلى الحوار مادام هو الوسيلة الناجحة لحل جميع المشكلات وخاصة الحوار بين الطبقات والأحزاب. وإذا عدنا إلى مواقف الدعوة والتربية التي جسدها القرآن الكريم فسيكون حالنا أحسن وأفضل، لنتأمل القصة الحوارية في القرآن الكريم، حيث تطفح بألوان من الأساليب التربوية والدعوية حسب عقول ومقتضيات أحوال المخاطبين الفطرية والاجتماعية مصحوبة باللين والألفاظ الحسنة والطرق اللطيفة، وعلى سبيل المثال قوله تعالى في سورة طه “43 44” {اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى} وقوله تعالى في سورة هود “42 43”: {وهي تجري بهم في موج كالجبال، ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله...}. وجميعنا قرأ محاورة الله تعالى لأفضل مخلوقاته آدم، ولأردأ مخلوقاته “إبليس”. وكذلك حوار الرسول “صلى الله عليه وسلم” مع قومه ونسائه وجميع العرب ومع الجاهلين منهم الذين كانت عقائدهم من أفسد العقائد فجاء “صلى الله عليه وسلم” ليصححها متبعاً أسلوب اللين واللطف والحكمة والموعظة الحسنة، فكتب له النجاح والتمكين. ختاماً: إن الحوار الدائم والمتجدد في كل وقت وحين وبين جميع أبناء الوطن صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم هو بوابة العبور إلى المستقبل المشرق، ووسيلة بنائية علاجية لجل المشكلات وخاصة إذا اقتدينا بمن سبقنا واستشعرنا قيمة الحوار البناء والجاد في الوطن بجو دافئ وودي وأخوي يغلب عليه بناء مستقبل الوطن على كل شيء، لأنه طريق السعادة إذا صدقنا النوايا.. وبالله التوفيق. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك