هذا اليوم الأغر بطلعته البهية المهيبة، يقف الملايين على صعيد عرفات، حاسري الرؤوس، خاشعي الجوارح، بين يدي رب كريم رحيم، يغفر الذنب، ويقبل التوب.. هذا اليوم تُظل ملائكة الله حجاج بيته العتيق، وقد جاؤوا إليه من كل فج عميق يرجون رحمته ويخافون عذابه. هذا اليوم يوم الاعتراف بالتقصير البشري والعبودي أمام رب معبود بحق.. فكم نعمة سابغة، ينكرها العبد، وكم من طاعة لم يؤدها، وكم معروف لم يُسدِه، وكم محجة بيضاء ليلها كنهارها تخير العبد عنها طريق الفتنة والغواية والضلالة، كم من مظالم يرتكبها العبد وقد علم يقيناً أنها لا تؤدي إلا إلى بئس المصير، وكم حقوق أنكرها المخلوق، وقد علم يقيناً أن أصحابها غير مسامحين، فصادرها الجشع والهلع وحب الدنيا. وهكذا يكون قصد بيته العتيق اعترافاً بالحقوق وملاذاً من الشيطان الذي يدعو بني البشر لعبادته بدلاً من عبادة الله، بينما يدعو الله عباده لعبادته فهو الصراط المستقيم: «وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم». إن وقوف عرفة عبادة وسعادة وحمل شهادة، فعلى هذا الصعيد تسكب العبرات اعترافاً وإنابة، وعلى صعيد عرفات تنزل الرحمات حناناً ورحمة وشفقة ومثوبة. والمسلمون الذين لم يحالفهم الحظ الجميل للوقوف على عرفات يتطهرون من أماكنهم، فيصومون ويستغفرون ويردون الحقوق على أهلها ويتوبون من قريب والله لا يظلم الناس مثقال ذرة ولا يرد سائلاً سأله.