عرفة، موقف ذل العباد بين يدي رب العباد، يستغفرونه ويرجون رحمته، فطوبى لهم، تنزّل الرحمات ومغفرة السيئات، وقبول الدعوات، عرفة معرفة القلوب ربها، فليس أحد يتقبل التوبة إلا هو، ولا أحد يغفر الزلات والسيئات إلا هو، وليس أحد بيده الحول والطول والقوة إلا هو، وليس أحد بيده القبض والبسط إلا هو، ولا أحد بيده العزّ والذل إلا هو، وليس أحد بيده الحياة والموت إلا هو، وليس أحد يعزّ من يشاء، يسلب عنه الملك والمال والجاه والدنيا إلا هو. في عرفات اليوم يتجلى الله على قاصديه من كل فج عميق برحمته، صعدوا عرفات بذنوبهم الخفاف والثقال، وسينزلون من عرفات وقد غفر الله لهم كل الذنوب؛ صغيرها وكبيرها، إلا حقوق المخلوقين. عرفات اليوم هو المكان الذي يمنح - بفضل الله - شهادة المغفرة لمن وقفوا في رحابه، هو المكان الذي يفخر الأماكن الأخرى، لأن الله يتجلى فيه على عباده، دون استثناء، فيرحم ذُلّهم وضعفهم وعجزهم وإنابتهم إليه، فيمنحهم غفرانه، كرماً منه وفضلاً.. لأنه السيد والإله الذي يعبد ويقصد ويحمد، فالحمد لله رب العالمين. إن الله دعا الحاج إليه ليغفر له، فمن وصل إلى عرفات وشهد الموقف فقد غفر له، والله أكرم الكرماء، فلا يدعوك إلا ليكرمك ويلبي رجاك. وقد ظن بعض الحجاج جهلاً أن الحج مغفرة لكل شيء بما في ذلك حقوق الخلق والتجاوز عن ظلاماتهم، ولأن الله عدل، فإن الله لن يتجاوز عن ظلم الظالمين لخلقه، بل مغفرته فيما اجترحه الإنسان في حق الله، ومن لم يُعد حقوق الخلق إليهم، ومن لا يُرد ظلامات الناس؛ فإن هناك يوماً للحساب، حيث كل نفس بما كسبت رهينة، فلا يستطيع الإنسان أن يسامح عن حقه لأنه في موقف عصيب. اللهم بحق رحمتك التي تمنحها اليوم لأهل عرفات، اقسم لنا من رحمتك لهم، وتقبلنا في عبادك الصالحين منهم وفيهم، إنك سميع الدعاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.