وقف يوم أمس الملايين من المسلمين من كل فج عميق على صعيد عرفات، ملبّين، مكبرين، وقد تجردوا من رغباتهم وشهواتهم، وتخطّوا حواجز المكان ليقفوا خاشعين خاضعين لله الواحد القهار يرجون رحمته ويخافون عذابه. لا يحجّ المسلم إلا بعد أن أجاب داعي الله ولمايزل في عالم الغيب، وكم من أناس آتاهم الله الملك والمال والعلم والصحة فلم يسعدوا بأداء هذه الفريضة المقدسة المباركة، ولم ينلهم شرف هذا الموقف الذي تحفّه الملائكة فيباهي الله بعباده هؤلاء الملائكة الأطهار الأبرار. يتجلى الله هذا اليوم لعباده بالرحمة السابغة والنعمة الأكبر؛ وهو أنه يغفر ذنوبهم وييسر أمورهم «فمن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». إن هذه الوقفة الخالصة لله بعد أن ترك الحاج أولاده وأسرته ووطنه وضحّى بماله وراحته وعانى عناءً شديداً يستحق من الله الرحمة والعناية الإلهية المباركة. وهي رحمة بفضل الله تنال جميع المسلمين الذين يقتدون بهؤلاء الحجاج فيصفوا قلوبهم ويعيدوا الحقوق إلى أهلها. ويعلموا يقيناً أنه لا يخرج المسلم من الدنيا مهما كانت عظمته وعظيم ثروته إلا بمثل هذا الثوب الأبيض، ولن يلقى الله بسلام إلا إذا كان قلبه على درجة من الصفاء والنقاء نقاء ملابس الإحرام. يوم عرفة يوم عظيم يتقرب فيه المسلمون إلى ربهم بصالح العمل، فيصومونه ويكثرون فيه من التسبيح والتكبير والتهليل، فهو يوم يذكّر بيوم الحشر حين يقوم الناس لرب العالمين. فما أحرانا أن نأخذ بعض حكم يوم عرفات لنقف صفاً واحداً اخوة متماسكين يجمع بيننا الإسلام لله رب العالمين.