هذه القصص والروايات التي نسمعها تروى المرة تلو الأخرى من أفواه العلماء والوعاظ ورجال الدعوة من كل البلاد والأقطار وهي واضحة وضوح الشمس الساطع نورها في سماء البلاد العربية والإسلامية، وهي صادقة، في مستوى صدق العقيدة ونقائها وصفائها. ألا تستحق تلك السلوكيات والأخلاقيات أن يقف عندها ولو قليلاً أولئك الحكام في البلاد العربية والإسلامية لعلهم يتعظون بما سمعوا من أقوال وأفعال الذين سبقوهم فيقتدون بالأعمال الصالحة، ويسيرون على المنهج القويم الذي من شأنه أن يديم بقاءهم ويثبت أقدامهم ويوسع سلطانهم ويجعلهم في مقدمة المتقدمين، بدلاً من أن يظلوا في مؤخرة المتأخرين. ألم يسمعوا أن العدل أساس الملك؟ ألم يسمعوا أن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ما دامت تعدل بين رعاياها؟ ولايقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة؟ ألم يسمعوا أن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإيمان؟ وهل يعقل أن يتفق الإيمان مع الظلم إلاَّ إذا كان إيماناً مغشوشاً. هذا سيدنا علي رضي الله عنه يفتقد درعه بعد عودته من إحدى المعارك، يبحث عنه فلا يجده، ثم يجده في السوق مع يهودي، فقال لليهودي: هذا درعي، لم أبعه لأحد قال اليهودي: الدرع درعي وما أمير المؤمنين بكاذب كان باستطاعة «الإمام» أمير المؤمنين أن يشير مجرد إشارة بيده أو بعينه، فيجد اليهودي نفسه في حال يرثى لها من الصفع والركل والخبط فوق الحزام وتحت الحزام، لكن الإمام الذي تربى في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم لم يغمز ولم يرمز ولم يستعد أحداً على اليهودي، بل شكاه إلى القاضي.. جاء القاضي فأخذ أقوال الإمام ثم سأله هل لديك بينة؟ هل لديك شهود؟ كان بإمكان علي بن أبي طالب أن يأتي بمائة شاهد، لكنه قال: ليس عندي بينة غير أنني أعلم أن هذا الدرع هو درعي فلت في الطريق وأنا عائد من المعركة. سأل القاضي اليهودي: من أين لك هذا الدرع يا يهودي قال: الدرع درعي وما أميز المؤمنين عندي بكاذب .. لم يأمر القاضي بجلد اليهودي ولا بقلع ضرسه ولا نتف شعره حتى يعترف بالحقيقة.. بل قال: ليس هناك من بينة تستند عليها في إرجاع درعك يا أمير المؤمنين، لذلك فقد حكمنا بالدرع لليهودي. لم يستأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يتهدد اليهودي ولا توعد القاضي بل نظر إلى القاضي بنظرة الرضا.. وحمدالله وأثنى عليه أن يكون في عهده أمثال هذا القاضي النزيه والشجاع. أسلم اليهودي وأقر بأن الدرع هو درع الإمام وقد وجده في الطريق فما كان من الإمام إلاَّ أن أهداه الدرع ما دام قد عرف الحق واهتدى. يحكي التاريخ: أن كسرى أنوشروان جاء بمعلم لولده «ولي العهد» وذات يوم وجد الإبن نفسه في موقف لا يحسد عليه مع أستاذه فقد أخذ الأستاذ يضرب ابن الملك ضرباً شديداً قاسياً وبدون سبب، فأسرها الولد في نفسه وكتم غيظه، وتمضي الأيام ويكبر الولد ويموت الأب ويتوج ابنه ملكاً على الفرس. فكان أول شيء يفعله هو أن يستدعي أستاذه ليحاسبه ويعاقبه على فعلته الشنيعة.. فسأله وعيناه تقدحان شرراً: أتذكر يوم جلدتني وأوجعتني بدون جريرة أو سبب؟ قال: نعم يا سيدي. وتقول نعم هكذا بدون خوف أو وجل؟ قال: أيها الملك لقد أوجعتك وأنت صغير قاصراً لأنني عرفت أنك ستكبر وتحكم وتعرف مرارة القسوة والظلم، فلا تظلم أحداً لأنك قاسيت منه. قال له: يا لك من حكيم عظيم.. كيف ذهبت عن بالي هذه المعاني كلها والله لو لم استفد منك سوى تلك العصا الغليظة لكانت كافية للعظة. جراح عالمي الطبيب للمريض: لا تقلق.. صحيح أن نسبة النجاح للعملية 1% فقط، ولكن اطمئن فأنا متفائل لأني عملت العملية لتسعة وتسعين شخصاً قبلك، ما توا جميعاً.. ولم يبق غيرك لنجاح العملية.