تحت إلحاح طفلي الصغير فرضت على نفسي وعلى جميع أفراد الأسرة أن نغير مسار رحلتنا في عيد الأضحى من حديقة السبعين إلى حديقة الحيوان، وفي الطريق إليها حاولت أن أقنع الجميع بتغيير مسار الرحلة بالقول: جميل أن يكون لدينا حديقة للحيوانات المختلفة ، وأن نشاهدها مع الأطفال ، فنحن نستطيع من خلالها أن نشارك أطفالنا اللعب وأن نقدم لهم وجبات علمية دسمة عن الحيوانات، وبطريقة ممتعة، والتعلم عن طريق الرحلات من أروع وأمتع أنواع التعلم التي لا يملها الأطفال. يفترض أن تكون حدائق الحيوان أماكن لتربية الحيوانات وتنميتها والاهتمام بنظافتها وجمالها وأمانها، وإمتاع الزائرين بعروضها، وتعريفهم بخصائصها، وحياتها، ونوعياتها.. ففي حدائق الحيوان يجد الإنسان فرصة للعلم والمعرفة والمتعة، ويفترض أن تكون الحديقة مكاناً يخرج منه كل إنسان مستمتعاً بما شاهده، مقدراً لنعمة الله أنه خلقه إنساناً قادراً على التفكير بحرية...ذلك هو ما يجب أن يتحقق من خلال زيارة حديقة الحيوان.. لكننا في اليمن لم نعرف بعد ما الهدف من وجود حديقة الحيوان؟ بل ربما لم نعرف بعد الفرق بين الحدائق وسجون التعذيب. وللأسف إنه في كل جميل نشاهده يوجد (لكن)، وفي حديقة الحيوانات الوحيدة في صنعاء وجدت عشرات (اللاَّكنات)، حتى إنني لم أعد أدري ماذا عليّ أن أفعل؟ هل أتابع طفلي ؟ أم أرصد ما أجده أمامي من مظاهر الإهمال؟ لقد صدمني بألم كل شيء في الحديقة؛ بدءاً من البوابة المزدحمة لقطع تذاكر الدخول بدون وجود من ينظم الزوار، إلى أقفاص الحيوانات التي تفوح منها الروائح الكريهة، إلى الساحات المليئة بمخلفات الزوار، إلى وساخة أحواض المياه التي تحول لونها إلى أسود حالك يدل على أنها مصارف لمخلفات قذرة وليست أحواضاً صحية تعيش فيها حيوانات برمائية، إلى مناظر لحيوانات أصابها الهزال وظهرت أضلاعها، فلم يعد يعرف الزائر إلى أي جنس تنتمي؟ هل هي أسود أم فهود أم قطط أم قرود؟ إلى عبث الزائرين الذين يستمتعون ببعثرة مخلفات أطعمتهم في فناء الحديقة وكأن بينهم وبين سلات القمامة المعلقة بجوارهم عداء، ولا يجدون من يراقبهم من المسؤولين عن الحديقة أو من يوعيهم بمكبرات الصوت التي لا تستخدمها الإدارة إلا للمناداة على الأطفال الضائعين بلغة اختفت معالم حروفها من شدة اكتظاظ القات في فم المتحدث، إلى عدم وجود مرشدين يراقبون تصرفات الأطفال مع الحيوانات ويجيبون عن أسئلتهم، وبخاصة أن معظم الزائرين مظاهرهم تدل على أنهم من فئات الأميين، بل إن بعضهم يستمتع بألم الحيوان متناسياً قصة المرأة التي غفر لها الله - سبحانه - بسبب إنقاذ كلب من العطش، حيث شاهدنا بعض أولياء الأمور يشجعون أطفالهم على قنص عيون الحيوانات بواسطة مسدسات الخرز التي يلعب بها الأطفال دون رادع لا من ضمير ولا من رقيب ..حالة لا يعلم بها إلا الله والزائرون المرغمون على دخول الحديقة تحت ضغط أطفالهم... كل شيء في حديقة الحيوان يدل على أنها آيلة للانقراض .. فلماذا نكره الجمال في بلادنا؟ وأين إدارة الحديقة مما يحدث؟! هل لأن الحديقة بدون ميزانية تغطي متطلبات بقائها في حالة جيدة؟ أم أن الفساد قد امتد ليصيب حتى من يقوم على خدمة الحيوانات؟ فأصبحوا يبالغون في تجويع الحيوانات ولا يهتمون بنظافتها؛ لأنها لن تبلغ عنهم ، ولا يجدون من المسؤولين من يكلف نفسه عناء زيارة واحدة لهذه الحديقة ولو حتى كل أسبوع.. في كل بلاد الدنيا يستخدم جزء كبير من رسوم دخول الحدائق للاعتناء بها، ولا أعلم أين تذهب رسوم حديقة الحيوانات عندنا؟ لأنني شاهدت مئات الزوار يتزاحمون على بوابتها مما يدل أن دخل الحديقة سيكفي على الأقل لنظافة الحديقة وتغيير ماء الأحواض القذرة فيها، لقد أرغمتنا الرائحة المنتنة الصادرة من بيوت الحيوانات على سد أنوفنا وأفواهنا وعدم الحديث مع بعض طوال الرحلة، فتحولت الرحلة إلى رحلة صمت وتذمر وهرولة من قفص إلى آخر فقط لرؤية الحيوان البائس من بعيد حتى أرضي فضول طفلي الصغير، وهناك ملاحظة لفت نظري إليها بعض أفراد الأسرة، وهي أن كثيراً من أقفاص الحيوانات لا يوجد فيها سوى حيوان واحد وحيد مكتئب الحركة، متكور على نفسه في زاوية بعيدة عن الزوار، وكما نشاهده على القنوات الفضائية فإن كل حدائق الحيوانات في أي مكان تحرص على أن يكون في القفص الواحد ذكر وأنثى من كل نوع على الأقل، وربما للقائمين على حديقتنا وجهة نظر تحرم الاختلاط بين الحيوانات... كانت رحلتنا مملة جداً حتى إن طفلي الصغير خرج من الرحلة بدون أن يتلقى رداً لأي سؤال كان يدور في عقله، وهذا ما لمسته عنده حينما توقف عند باب الخروج من الحديقة قائلاً : الزيارة القادمة نأتي هنا بدون مناديل يا أمي حتى لا نغطي أنوفنا وأفواهنا إن شاء الله ... (*) كلية التربية - جامعة صنعاء [email protected]