في المساجد التي يعتلي منابرها إخوان طيبون لا نزكيهم على الله يكثر الحديث عن الفساد المالي والإداري، وأحسب أن هذا مما ينبغي ألا يضيق به أحد، فالمسلم يصغي إلى النصح ويقبل الرأي المصلح.. ولكن ما يغيب عن هؤلاء الإخوة جزاهم الله خيراً أن الإصلاح ينبغي أن يشمل القلوب ليتحقق بذلك جمال النصح وتقبله قبولاً حسناً. إن الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء والمرسلين هداة للناس فكانوا قدوة بسبب أنهم معصومون ليتحقق على يدهم الفتح المبين. وعندما كان العالم المسلم صالح الظاهر والباطن جمع الله بهم الشمل ومنح الناس لهم البركة وقذف الله في قلوب الناس محبتهم، فقد تحقق فيهم الإيمان والعمل الصالح فكانوا جديرين بقوله تعالى «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا». بعبارة ثانية ينبغي ألا يقف المحدث عن الفساد المالي والإداري وحسب، ولكن أن نتجه لإصلاح النوايا، وإصلاح فساد القلوب والرياء كما قال العلماء هو الشرك الأصغر، ومعناه أن يظهر المرء للناس عملاً صالحاً بينما يخفي عملاً، يتظاهر بالإصلاح والصلاح بينما هو بعيد عن أخلاق المسلم وسلوكه. وهؤلاء يفضحون وإن آجلاً، فقد روي في الصحاح عن سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال «لو أن أحدكم عمل عملاً في صخرة ليس لها كوّة «نافذة» لخرج عمله إلى الناس إن خيراً فخير وإن شراً فشر» الحديث بمعناه! إن خطيب الجامع ينبغي أن يكون ورعاً وأن يحسن ظنه بالناس، وألا يسخر القرآن الكريم والحديث الشريف لمآرب دنيا ورغائب خاصة، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين، ومن الشقاء أن يطلب المرء الدنيا بمحبطات الأعمال في الآخرة. إن القلوب أصبح كثير منها قاسياً، وإننا نعيذ بالله علماءنا وخطباء مساجدنا من محبطات الأعمال وعلى رأسها الرياء والكذب. أما الملاحظة الأخيرة إذا أردنا أن نوضحها أن الذين يحكمون في بلادنا ليسوا حزباً هو الحاكم وحده، بل هم العديد من المتحزبين، فالحديث عن الفساد إذا كان جائزاً وهو جائز بلا شك إذا التزم بأدب الخطاب فإنه يشمل الأحزاب جميعاً؛ لأنهم جميعاً يحكمون، وليس ضوء «الشمس» بحاجة إلى دليل.