الإحجام عن إسعاف المصاب أمر دخيل على عادات المجتمع اليمني المشهور بإغاثة المنكوب منذ أزمنة موغلة بالقِدم. أنُاس يموتون على جوانب الطرقات وسط جمهرة من المارة؛ ينم عن تقهقر في المنظومة الإنسانية والخلقية والدينية. فقد يتعرض البعض لحادث اصطدام أو إصابة بأعيرة نارية؛ ولكن عملية الإسعاف قد تتأخر الأمر الذي من شأنه وفاة المصاب. الجهات المختصة قد يقتصر دورها على المطالبة بالحق العام بين قوسين «ورثة الرصيف». بينما المستشفيات قد تؤجل عملية الإغاثة إلى أن يدفع المسعف فاتورة رزمة من السندات والأجهزة ومن ثم تبدأ عملية الإسعاف. قانوناً قد تدخل الجهات المختصة طائلة المساءلة القانونية لتوافر عنصر المسئولية التقصيرية في حالة أدّى ذلك الإهمال إلى وفاة المصاب. أقول قدسية الحياة ثقافة ربما انطفأت أصداؤها على آفاق الاستغاثة. كثيرنا قد يصادف شخصاً مصاباً بحاجة إلى المساعدة، ولكن أنى له بها، قد نتركه يستنجد فيما نواصل السير وكأنما خلقنا لذلك. في وقت تنضح فيه الحياة بالمعاني الجميلة التي يتوجب الوقوف عليها، كيما نكتسب صفة الإنسانية، فالهرولة لا تنم إلا عن ضياع. فإن يفتش الإنسان عن نفسه دون جدوى فثمة أمر يشي بالخوف ويستوجب الرجاء، فنجدة المستنجد الذي يتضرع الإغاثة؛ جزء من تعاليم شريعتنا السمحة، إن لم تكن كلها؛ فالدين المعاملة، والمعاملة لا تكون بالتزام الإنسان حدود ذاته. فالإنسان جزء من عالم، والعالم كل من تفاصيل يجب أن تتناغم فيما بينها، فالخالق عز وجل يقول: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» نستشف من ذلك بأن من أماتها كأنما أمات الناس جميعاً. فالإماتة هنا لا تقتصر على الفعل الإيجابي «أركان القتل» ولكنها قد تتحقق بالفعل السلبي. فمثلاً عندما تحجم الأم عن إرضاع طفلها؛ فإن في فعلها السلبي «المتمثل بالامتناع» معنى التجني. كذلك الطبيب عندما يمتنع أن يعطي المريض الدواء، وهلَّم جرا.. الامتناع عن إسعاف المصاب. أقول: كل السابق يستدعي منا الوقوف عند قوله تعالى: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» المائدة 23. ختاماً قد تتعدد أسباب الإحجام. «الخوف من اتهام الجهات الأمنية الخوف الشخصي من الحادث نفسه غياب الثقافة الصحية وضعف الوازع الديني». ولكن ذلك لا يبرئ الإنسان أمام ذاته من الجرم الأخلاقي «لكل قلبي الوطن». «٭» أمين عام منتدى مجاز الأدبي الثقافي [email protected]