بدمك الذي تتبرع به تنقذ إنساناً من موت محقق .. مقولة ً تتردد كثيراً على ألسنة الأطباء المختصين . فلا يتعدى الأمر سوى التخلي عن جزء يسير من الدم إلى من هم بحاجة إليه -طوعاً دون إكراه- لا ُيبتغى من وراءه تحقيق مكسب مادي أو أي منفعة دنيوية ، بل لوجه الله وابتغاء مرضاته. قال تعالى : " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً "( صدق الله العظيم) . من بحاجة إلى الدم ؟! وهذا تقرير لمنظمة الصحة العالمية يشير إلى أن واحداً من بين عشرة مرضى يدخلون المستشفى بحاجة إلى نقل دم وفي مقدمهم الذين يعانون من أمرض خبيثة أو مستعصية، والمصابين في حوادث خطيرة وفقدوا على إثرها كمية كبيرة من الدماء ، إلى جانب المرضى المعرضين لخطر فقد كميات كبيرة من الدم أثناء العمليات الجراحية الكبرى . فالمسألة مسألة حياة أو موت بالنسبة للبعض منهم . وحاجة الكثيرين لا تشمل الدم بكافة مكوناته ، وإنما لمكون من المكونات ، كالصفائح الدموية،البلازما،خلايا الدم الحمراء. فالبلازما على سبيل المثال تُستخدم لتعويض مرضى الحريق الذين يعانون من فقد كميات كبيرة من البلازما، وتستخدم كريات الدم الحمراء في علاج حالات فقر الدم الشديدة(الأنيميا) وأمراض الدم الخطيرة التي تسبب تكسراً لكريات الدم الحمراء ، مثل(الثلاسيميا) و(الأنيميا المنجلية). ويستخلص من الدم كذلك الصفائح الدموية والبروتينات المضادة لأمراض النزف لاستخدامها في علاج الكثير من الحالات المرضية ، كمرض سيولة الدم (الهيموفيليا). شروط التبرع بالدم بيد أن التبرع هذا لا يكون إلا من شخصٍ سليم ينتمي إلى الفئة العمرية من(55.18 عاماً) ، ومن الممكن حتى عام (60 عاماً) ولا يعاني من أمرض مزمنة أو من مرض معد خطير، كالإيدز، الزهري، التهاب الكبد الفيروسي بنوعيه( (Bو(C). أما من يعاني من مرضٍ حادٍ عابر ، فيمكنه التبرع بعد أن يتماثل للشفاء التام واستشارة الطبيب المعالج. وُيشترط ألا يقل وزن المتبرع عن(50كجم) وتكون نسبة صبغة الدم (الهيموجلوبين) لدى الرجال والنساء عند المستوى الطبيعي، وألا يقل ضغط الدم على(110/60) ولا يزيد على(140/90) وانتظام دقات القلب بين (100-50دقة) في الدقيقة الواحدة. كما يجب على المتبرع أن يفصح ما إذا كان يتناول دواءً أو حقناً مهما بدا الأمر عادياً بالنسبة له، وذلك قبل التبرع بالدم ، ولا يحق له التوقف عن تناول العلاج لغرض التبرع بالدم. فيما لا توجد على الإطلاق أية مخاطر جراء التبرع بالدم ، فكمية الدم التي تُسحب عند التبرع كمية بسيطة تصل إلى (450مليلتراً) وتمثل فقط (8 %) من متوسط حجم الدم عند الشخص البالغ الذي يحوي جسمه أساساً ما بين (6-5 لترات ) من الدم. و يشرف على سحب الدم في المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه وسائر الأقسام المتخصصة في المستشفيات طبيب مختص بعدما يتأكد من لياقة الشخص وقدرته على التبرع . وأول ما يحرص عليه الطبيب هو سلامة المتبرع وكذا سلامة المتبرع له. وبذا يتم فحص المتبرع فحصاً دقيقاً وفحص نسبة (الهيموجلوبين) في دمه قبل السماح له بالتبرع. أما الأدوات التي تُستخدم في سحب الدم من المتبرع ، فهي أدوات معقمة لم يسبق استخدمها من قبل ولا تستعمل بعد ذلك مطلقاً ، والتخلص منها يكون بالطرق الصحية السليمة. فيما تستغرق عملية التبرع بالدم كاملةً حوالي نصف ساعة ، ويستغرق سحب الدم نحو(7 دقائق). وعقب التبرع بالدم ننصح المتبرعين بزيادة شرب السوائل ، فخلايا الدم بطبيعتها متجددة، وخلال فترة تتراوح بين (7-3يام) يتم تعويض كريات الدم البيضاء والصفائح الدموية ؛ أما كريات الدم الحمراء فيتم تعويضها بالكامل في أقل من شهر على التبرع . فوائد التبرع بالدم إلى ذلك أثبتت الدراسات أن المتبرع بالدم - وبخاصة المنتظم- يجني العديد من الفوائد الصحية والتي منها زيادة نشاط نخاع العظم في إنتاج كميات جديدة من الدم وزيادة نشاط الدورة الدموية والتقليل من نسبة الحديد في الدم ، ما يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين. حيث يمكن للشخص أن يتبرع بدمه مرة كل ثلاثة أشهر. وقلما يشعر المتبرع بالدم بدوار أو بإغماء، لكنه إذا شعر بذلك بالفعل ، فما عليه إلا أن يستلقي ويرفع قدميه إلى مستوى أعلى من الرأس ، وأن يتجنب الأعمال المجهدة لبقية اليوم ، لاسيما إذا كان يترتب على القيام بها مشاكل خطيرة ، وعليه أيضاً أن يتناول كميات وافرة من المشروبات الباردة مع تناول الوجبات العادية وبإذن الله سيسترد عافيته بسرعة. مشتقات الدم إن الاتجاه الحديث في استخدام الدم يتحدد في فصله إلى العديد من المكونات واستخدام هذه المكونات كلاً على حدة ، وليس الدم بالكامل بما يحقق الاستفادة القصوى من كل وحدة دم وتجنب الآثار الجانبية للعناصر التي قد يتم نقلها ولا يحتاج إليها المريض . فأغلب المرضى يحتاجون وبكميات كبيرة إلى مشتقات الدم بعينها وليس الدم بالكامل ، كمرضى سرطان الدم الذين يحتاجون إلى كميات كبيرة من الصفائح الدموية وليس الدم كاملاً، كون ما يحتاجه الواحد منهم يصل في أغلب الأحيان إلى صفائح دموية يتم فصلها من عشرة متبرعين لتعطى للمريض في جرعة واحدة كل يومين ، وإلا فربما يتعرض المريض بالسرطان إلى نزيف داخلي قاتل. زمن التبرع ويمكن للشخص أن يتبرع بدمه مرة كل ثلاثة أشهر ، وهي مسألة لا تقتصر على الرجال ، فالسيدات بإمكانهن التبرع أيضاً ،على ألا يكون في فترة الحمل أو الإرضاع أو عقب الولادة مباشرة أوعند الإجهاض. كما لا يسمح للنساء اللواتي يلدن أكثر من أربع مرات بالتبرع حتى التأكد من نسبة (الهيموجلوبين) لديهن إذا كان ضمن المعدل الطبيعي من (14-12) ويبدون بصحة جيدة. إضافةً إلى كونهن يخضعن لذات المعايير والشروط التي يخضع لها المتبرعون الأصحاء من الرجال. إلى هنا نصل إلى الختام وأود أن أضيف.. أنه يستحسن تناول القليل من الطعام وشرب كمية وافرة من السوائل قبل التبرع بالدم، وألا يغادر المتبرع سرير التبرع حتى يسمح له الطبيب بذلك. كذلك عليه الامتناع عن التدخين مدة ساعة قبل التبرع بالدم وساعة أخرى بعد التبرع .
