الإنسان كغيره من الكائنات الحية بحاجة إلى مزج متنوع من الأغذية المحتوية على مكونات وعناصر غذائية فيها ما يكفي لبقائه حياً ولنموه وتكاثره وحمايته من الأمراض ولمده وتزويده بالطاقة اللازمة لأدائه للحركة والنشاط والعمل، في حين أن نقص هذه الاحتياجات يقف وراء الإصابة بالكثير من الأمراض، كأمراض سوء التغذية وفقر الدم.. وما يهمنا هنا أمراض فقر الدم، وهي كثيرة الأنواع والأسباب، وتشكل في الوقت الحاضر أحد أهم أسباب الأمراض والعلل المزمنة في العالم أجمع. .إذ تعتبر الأنواع الناجمة عن نقص الغذاء الأبرز والأكثر شيوعاً في العالم من بين كل أنواع فقر الدم. ففي البلدان المتقدمة تصيب النساء بشكل خاص، لأن حاجتهن إلى مادة الحديد من أجل بناء «الهيموجلوبين» تفوق حاجة الرجال إليه، أما في البلدان النامية فترتبط كثيراً بسوء التغذية إلى جانب بروزها بشكل كبير لدى الإصابة بالطفيليات وبالأخص الديدان الخطافية أو الشصية. وسنركز على أمراض فقر الدم الشائعة في المجتمع والتي ترتبط بالغذاء، بالحديث عن أسبابه ودواعيه وعلاماته وشروط وقاية المعرضين له، مع تفاصيل أخرى سنأتي على ذكرها.. المعدل لخضاب الدم فقر الدم أنواعه وأسبابه متعددة وتتقاطع جميعها حول عامل واحد مشترك وهو نقص في المعدل الطبيعي لكمية «الهيموجلوبين» بالدم. والمعدل الطبيعي لكمية خضاب الدم «الهيموجلوبين» بالدم أساساً عند الولادة «19.8غرام» في كل «100 سنتمتر مكعب» من الدم، ولدى الذكور «15.6غرام» في «100 سنتمتر مكعب» من الدم، و«13.7غرام» في «100سنتمتر مكعب» من الدم عند الإناث، و«14.2غرام» في «100سنتمتر مكعب» من الدم لدى الكبار. وفي كل أنواع «الأنيميا» يصاحب المستوى المنخفض من «الهيموجلوبين» خصائص مرضية لا سيما في كريات الدم الحمراء، وتبعاً لذلك فإن الاختصاصي الخبير في أمراض الدم يستطيع بمجرد فحص دم المريض بالأنيميا أن يميز نوعها. الأنواع.. والأسباب مع وجود أنواع مختلفة لفقر الدم، إلا أنه يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات حسب أسبابها: 1 الأنيميا النزفية: تعد أسهل الأنواع تشخيصاً، إذ من الواضح تماماً بسبب النزف وفقدان الجسم لكمية من الدم أن ينتج نقص في «الهيموجلوبين» وفي عدد كريات الدم الحمراء. فإذا كانت تغذية الشخص الذي عانى هذه المشكلة، جيدة فإن كريات دموية جديدة تتكون في نخاع العظم لتحل محل التي فقدت. وهذا بالطبع لا ينطبق على ذوي النزف المتكرر الذي يسبب عوزاً شديداً للدم لدرجة أن نخاع العظام ينقصه الكثير من الحديد ويصبح عاجزاً عن تكوين كريات دموية جديدة. وتحدث مثل هذه الحالات من الأنيميا لدى النساء جراء النزف المتكرر المستمر بعد الولادة أو النزف الرحمي المتكرر لأسباب كثيرة، وكذا تحدث بسبب العادة الشهرية «الطمث الشهري»، والنزف المعدي المتكرر لدى وجود قرحة في المعدة. هناك أيضاً حالات ينطبق عليها هذا النوع من الأنيميا كحالة النزف المستمر من الأنف، والنزف المستمر من الأمعاء الغليظة أو من المثانة بسبب الإصابة المزمنة أو الحادة بطفيليات البلهارسيا، وكذلك لأسباب أخرى مثل الجروح النزفية ومنها الإصابات الفورية الشديدة. 2 الأنيميا الناتجة عن عجز في تكوين الدم: تحدث حينما يكون نخاع العظام عاجزاً عن صنع كريات دموية جديدة لتحل محل الكريات القديمة التي يتم تخليص الدم منها بواسطة الطحال، حيث تعتبر عملية تكوين كريات الدم الحمراء عملية بالغة التعقيد تعتمد على مد واف من الحديد والفيتامينات المختلفة من الغذاء. فإذا لم تتوافر هذه المواد بكميات كافية فإن عملية تكوين «الهيموجلوبين» والكريات الحمراء تتحطم وينتج عن ذلك أحد أنواع الأنيميا الناتجة عن العجز في تكوين الدم. إن عدم توافر المتطلبات اللازمة في مكونات الغذاء والتي تتطلبها عملية تكون الدم، كالحديد وفيتامين «B- 12» وفيتامين«c» والفولات «أملاح حمض الفوليك»، وكذا بعض المعادن، مثل النحاس والزنك والكوبلت، أو وجودها بكميات لا تفي بالحاجة.. يعتبر أحد الأسباب المؤدية إلى الإصابة ببعض أنواع فقر الدم«الأنيميا» أو ما يسمى بفقر الدم الغذائي والذي يشمل فقر الدم بعوز الحديد وفقر الدم الضخم الأورمات(بعوز فيتامين «B-12» أو بعوز الفولات أو بفيتامين «C» ). 3 فقرالدم الانحلالي: ينجم هذا النوع من الأنيميا بسبب تحطم جزء من كريات الدم الحمراء أثناء دورانها في الجسم وتكسر الدم هذا شائع عند المصابين بداء الملاريا والذي يغزو فيه طفيل الملاريا كريات الدم الحمراء ويحطمها. أعراض الأنيميا نتيجة تدني المعدل الطبيعي في كمية «الهيموجلوبين» الموجودة في الدورة الدموية تظهر الأعراض المميزة لأمراض فقر الدم، لما يترتب على هذه الأمراض من تدني قدرة الدم على حمل الأكسجين، فيلاحظ أن لون جلد المرضى بفقر الدم وشفاهم تميل إلى الصفرة، ويشعرون بالتعب بسهولة، وتبدو شهيتهم للطعام ضعيفة، وفي حالات الأنيميا الشديدة قد يقاسي المرضى جرائها خفقان القلب، والسبب في ذلك أن القلب يخفق بشدة غير اعتيادية كي يضخ كميات كافية من الدم إلى الأنسجة. تشخيص الحالات بالعودة إلى الأعراض والعلامات المرضية الواضحة نجد أن المريض بفقر الدم يعتريه شعور بالضعف لسرعة خفقان القلب وفقدانه الشهية للطعام وضعف قدرته على العمل والنشاط البدني والفكري، وتلهث أنفاسه عند بذله لأي جهد، وأيضاً يعاني من الإغماء والدوار والخفقان، ويشحب لون جلده وأغشيته المخاطية لا سيما لون الشفتين وداخل أجفان العيون وتحت اللسان، أغلب الأعراض هذه يلاحظها الطبيب على المريض بوضوح بالكشف السريري، وبمجرد أن يعرف الطبيب التاريخ المرضي من المريض نفسه يستطيع تحديد نوع فقر الدم الذي يعاني منه المريض من المريض نفسه. إلى ذلك يعمد الكثير من الأطباء إلى أخذ عينة من دم المريض حتى يتم التأكد من صحة التشخيص، وأخذ عينات من الدم في العادة. فقر الدم لعوز الغذاء لا يقتصر التعرض لفقر الدم لأسباب غذائية على جنس معين أو على فئة عمرية بعينها، فالذكور والإناث من مختلف الأعمار يصابون به، ويلاحظ أن نسبة إصابة الإناث في سن الإنجاب ضعف نسبة الذكور، يرجع ذلك إلى زيادة الحاجة إلى الحديد أثناء الحمل والولادة وخلال فترة الإرضاع. وتؤكد دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن معدل الهيموجلوبين أقل من معدله الطبيعي لدى «4%» من الذكور و «8%» من الإناث في العالم، ويرتفع هذا المعدل من «25» أضعاف في دول العالم الثالث وبشكل أساسي يرتبط بسوء التغذية وصعوبة الحصول على تغذية سليمة نتيجة الفقر وتدني مستوى الوعي الصحي في ظل الأوضاع والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. وأكثر أنواع الأنيميا انتشاراً في بعض بلدان العالم وخاصة الفقيرة، نوع خفيف من أنواعها الناتجة عن العجز في تكوين الدم لعدم كفاية الحديد في الغذاء. ويمكن شفاء المريض بهذه الأنيميا بإعطائه الأقراص المحتوية على الحديد. كما يمكن منع هذا النوع من فقر الدم إذا تناول المريض الأطعمة التي تحتوي ما يكفي لسد الحاجة من عنصر الحديد كالخضروات «السبانخ الخس» والكراث والفواكه وصفار البيض«المح». وهناك فقر الدم المعروف باسم «الأنيميا الخبيثة» حيث ينتج عن نقص «فيتامين ب 12» في نخاع العظام أما علاجه فبحقن المريض بهذا الفيتامين على فترات منتظمة. التسممات.. والأمرض الخطيرة الأمراض المعدية المزمنة والملاريا والتسمم بالزرنيخ والرصاص، وتجاوز الجرعات المقررة لبعض العقاقير وزيادة التعرض لأشعة أكس والراديوم.. جميعها يسبب فقر الدم الشديد «الأنيمياالشديدة». أضف إلى أن من الأسباب الأخرى لفقر الدم بعض طفيليات الأمعاء لمشاركتها المريض في غذائه وبما تفرزه من سموم ضارة بكريات الدم الحمراء. كذلك طفيليات الدم كالملاريا والفلاريا والأمراض المجهدة كالسرطان وأمراض الكلى المزمنة. مجموعة الأغذية.. وفوائدها جميع المواد الغذائية لا تقع تحت تصنيف واحد وإن اشتراك البعض منها في بعض الخصائص والمميزات من حيث التركيب، وهي على نوعين: 1 مركبات عضوية: الكربوهيدرات والنشويات والسكريات والدهنيات والبروتينات جميعها يحتوي على الكربون والأوكسجين والهيدروجين. غير أن البروتينات «الزلاليات» تحتوي زيادة على هذا على عنصر «النتروجين». أضف إلى ما سبق أن الفيتامينات أيضاً من المركبات العضوية. وتتوالد الطاقة الضرورية للأفعال الحيوية لجسم الإنسان بطبيعة الحال من المواد العضوية فقط، أي من «النشويات الكربوهيدرات السكريات الدهون البروتينات» ويحصل الجسم عليها من، «الحبوب البقول الخضروات الفواكه اللحوم بأنواعها الألبان ومشتقاتها البيض الحليب » وغيرها من المواد الغذائية الأخرى، والطاقة التي تولدها في الجسم تظهر على شكل حرارة تقاس بوحدات تعرف بالسعرات، والمقصود بالسعرة هنا كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة سنتمتر مكعب واحد من الماء إلى درجة مئوية واحدة. بالتالي يعطي غرام واحد من النشويات والبروتينات عند احتراقه في الجسم أربع سعرات حرارية. أما الدهون فتعطي تسع سعرات حرارية لكل غرام واحد منها. وتستخدم معظم الطاقة التي تتولد عادة من النشويات والكربوهيدات للعمل والنشاط العضلي والذهني. أما الطاقة المتولدة من البروتينات فتستخدم في بناء خلايا الجسم، ولتعويض وترميم ما يتلف من هذه الخلايا أثناء العمل. غير أن وظائف الدهون لا تزال غير معروفة بصورة كاملة.. كل مايعرف عنها أنها مصدر غني للطاقة يستفاد منها في تركيب إفرازات بعض الغدد الصم المعروفة بالهرمونات ولنقل الفيتامينات المذابة فيها، وأنها تسبغ على الأطعمة لتبدو شهية طيبة. 2 المركبات غير العضوية: تشمل الماء والأملاح «ملح الطعام أملاح الفوسفات الكالسيوم السلفات الحديد وغيرها».. حيث يحتاجها الجسم ويتكون منا أيضاً ففيه أي في الجسم يشكل «70%» الماء مع الأملاح المذابة فيه من صافي الوزن. فالماء ضروري والأملاح أيضاً ضرورية للجسم وخلاياه كاملة، فهذه المواد تدخل في تركيبها ومن دونهما محال أن نبقى أحياء على هذه الأرض. ويحصل الجسم على الماء والأملاح من مختلف أنواع الخضروات والفواكه والمواد المعدنية الأخرى التي تدخل في غذاء الإنسان اليومي. كما أن الحديد ضروري جداً في تكوين «الهيموجلوبين» في الدم، الهيموجلوبين بدوره العنصر الأساسي لنقل الأوكسجين الضروري لحياة الجسم وحياة خلاياه وأفعاله الحيوية الضرورية لبقائه. ويمكن الحصول على عنصر الحديد في الخضروات والفواكه بكميات متفاوتة، فهو موجود في «السبانخ الخس البطاطا» ومح البيض والفواكه مثل «الأناناس البرقوق الأحمر المانجو الجريب فروت»، وكذلك الفجل والبصل والكراث، والتمور بأنواعها وكثير من المواد الغذائية الأخرى. الوقاية الغذائية التغذية الصحية السليمة المؤمنة لا حتياجات الجسم وفق معايير الكم والنوع هامة لحالات فقر الدم «الأنيميا» المرتبطة بسوء التغذية.. تعد مطلب أساسي للوقاية من هذه الأمراض وزيادة مناعة الجسم ضد الأمراض المختلفة، ولعل أبرز الأغذية المؤمنة لتلك الاحتياجات: 1 المنتجات الحيوانية: مثل اللحوم، الأسماك والكبد، لا حتوائها على كميات كبيرة من الحديد ثنائي التكافؤالذي يمتص سريعاً، مقارنة بالحديد ثلاثي التكافؤ الموجود في المنتجات النباتية والذي يمتص بدرجة أقل لا تتجاوز«13%»، بينما تصل نسبته لدى لحم العجول والأبقار من «2530%» كما تحتوي المنتجات الحيوانية على نسب عالية من فيتامين «B-12» والفولات والمعادن المختلفة، كالنحاس والزنك والكوبلت عدا عن أن البروتينات في هذه المنتجات تساعد على امتصاص الحديد. 2 البقوليات: كالفاصوليا، الفول، العدس والبازيلياء، هي الأخرى غنية بفيتامين«B-12» وبالفولات والنحاس والزنك، بالإضافة إلى الحديد ثلاثي التكافؤ. 3 الخضروات والفاكهة الطازجة: تعتبر غنية بالفيتامينات والمعادن والأملاح المختلفة، وتحتوي على كميات كبيرة من الفولات، ويفضل تناولها طازجة، نظراً لأن طهيها لفترة طويلة يؤدي إلى تكسر«50%» من الفولات. 4 العصائر الطازجة: البرتقال، الليمون والتفاح، تحتوي على كميات كبيرة من الفيتامينات المختلفة، لا سيما «C» الذي يسهل عملية امتصاص الحديد، وبالمقابل يؤدي نقصه إلى اختلال عملية استقلاب حمض الفوليك الذي يلعب دوراً مهماً في تكوين الخلايا المكونة للدم. 5 العسل: يحتوي على نسبة عالية من الحديد والفيتامينات والمعادن والمواد السكرية، ويسهل امتصاص الحديد، حيث ينصح بتناول«2530جرام» منه ثلاث مرات يومياً قبل الأكل مباشرة أو بعد الأكل بساعتين في حالة زيادة الوظيفة الإفرازية للمعدة«وجود حموضة». 6 التمر: صنف غذائي هام وضروري لما يحويه من سكريات سهلة الامتصاص وفيتامينات وأملاح معدنية وأحماض أمينية ذات فائدة عالية للجسم، فإن ما فيه من حديد ونحاس وفيتامين «B-12» وفيتامين«C» يحقق نفعاً وفائدة كبيرة لمرضى فقر الدم. ختاماً: ننصح بزيادة كمية الأغذية المذكورة في وجبات النساء خلال فترة حملهن وبعد الولادة، كذلك المرضعات والرياضيين ومن هم في مرحلة البلوغ فحاجة هذه الفئات إلى الحديد زائدة عن حاجة غيرهم، بينما لا ينصحون بتناول الشاي والحليب والألياف النباتية والدهون وأملاح الكالسيوم ومضادات الحموضة والانتفاخات أثناء أو بعد تناول هذه المواد الغذائية مباشرة حتى لا تعيق امتصاص الحديد.