يحيط بالجنس البشري خطر محدق ويهدد مصيره أشكال من المفاجآت من مذنَّب شارد يضرب الكرة الأرضية كما حصل مع اختفاء الديناصورات قبل 65 مليون سنة. ويمكن أن يكرر نفسه وعلى صورة أشد هولاً فلابد من إيجاد البديل. السباحة في الملكوت يفكر العلماء اليوم في بناء سفن كونية مستقلة لا تعتمد على الأرض وهذه السفن المكتفية ذاتياً سوف تخلق الظروف ليتابع البشر حياتهم ويتكاثرون على النحو الذي يرغبون، بحيث ينفصلون عن الأرض ويصبحون في أرض مصغرة تنقلهم عبر الملكوت الى حيث لا يعلمون. وهي أخطر من رحلة كولومبس لأنها رحلة الى المجهول؛ فكولومبس أبحر ولشهر واحد في المحيط المجهول وهذه الرحلة ستمضي لأجيال بدون عودة الى الأرض. وستكون هذه الرحلة على مراحل. وهناك لحسن الحظ بين المريخ والمشتري من حزام الكويكبات ما هو أكبر من مساحة الأرض بأربعة آلاف مرة من خيرات حسان تمد هذه الطليعة البشرية بأسباب الحياة والمعادن والطاقة . والى هنا لم تنته القصة فأعظم فصولها هو عند الانفكاك من حزام النظام الشمسي والانطلاق الى فضاء المجرة الهائل الذي يمتد على قطر مائة ألف سنة ضوئية ويضم مائة مليار نظام شمسي، والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة وتبلغ ستة ملايين مليون ميل (عشرة مرفوعة الى 12 صفر) ولكن قبل الإقدام على هذه القفزة الخطيرة يكون الجنس البشري قد تدرب بما فيه الكفاية على السفن الكونية لمئات السنوات كما فعل غزاة المحيط عندما كسروا وهم محيط الظلمات في العصور الوسطى فاكتشفوا الأمريكيتين وانقلبت محاور العالم بعدها وغادرت الحضارة محيط المتوسط الى الأطلنطي وحبس العرب في زنزانة المتوسط وهذا حديث حضاري تاريخي له مناسبته. وما سيحصل هو نفس الشيء مضاعفاً مع القفزة الهائلة الجديدة الى عمق المجرة، بالإضافة الى أن تقنيات معرفة (الكواكب) تكون قد تطورت الى الحد الذي يسمح بتعيين الكواكب التي تدب فيها الحياة أو تجمع الشروط البيولوجية للحياة أو تطويرها، فعلم الكوسمولوجيا اليوم لم يعد يحدق في النجوم اللامعة المتوهجة زائغ النظرات ينقلب إليه البصر وهو حسير؛ بل طوَّر تقنيات تستطيع اكتشاف كواكب تعكس الضوء تدور حولها بتقنية العدسات الكونية والمخططات الكوسمولوجية التي تظهر ذرى (جانب نجمية) فيما يعرف بمبدأ عدسة الجاذبية (GRAVITATIONLINSE) فالضوء إذا جاء من نجم وصدف في طريقه كوكب كبير فإنه ينحرف ومن دراسة الانحراف نعرف كتلة الكوكب. واليوم هناك تسابق مابين وكالة ناسا الأمريكية للفضاء والوكالة الأوربية للفضاء المعروفة باسم (ايسا) (ESA) لاستعمار الفضاء؛ فعند العام 2010 م سترسل وكالة (ايسا) الأوربية خمسة تلسكوبات تعتمد الأشعة تحت الحمراء، بحيث تشكل باجتماعها حلقة تحديق كونية بقطر مائة متر، هي أقوى من تلسكوب (هابل) الحالي بألف مرة، والأخير منسوب الى العالم الأمريكي (هابل) الذي كان أول من اكتشف أمرين في غاية الأهمية (تمدد الكون) فالكون ليس كماً جامداً بل يزيد في الخلق مايشاء كما في تعبير القرآن. وأن هناك مجرات أخرى غير مجرة درب التبانة التي نعيش فيها. ومجموعة التلسكوبات هذه تخلق عيناً عملاقة للرؤية تستطيع تأمل الكون بنظارة بُعد ترى حتى خمسين سنة ضوئية؟ استيطان المجرة إن هناك أفكاراً لألف سنة ويزيد: فالعلماء يفكرون منذ اليوم في بناء سفن فضائية تقوم برحلات الى المجهول كما حصل مع جماعات (البولينزين) الذين اكتشفوا وانتشروا في المحيط الهادي وأنشؤوا حضارة على ما ذكره المؤرخ البريطاني (توينبي) وقال عنهم إن السبب الذي حرضهم لهذه الرحلة الشاقة هو عنصر التحدي فقامت أجيال بعد أجيال بغزو المحيط ويقول إن ما تركوه شيء مذهل أمام الأجيال التالية التي لحقتهم ونسلت منهم فهم آية في البلادة والغباء.. إنها رحلة التحدي والاستنفار. وكان أمر الله قدرا مقدورا. ونرجع الى السفينة الكونية التي يزمع العلماء بناءها فهم يقدرون أن سرعتها ستكون واحداً من عشرة من سرعة الضوء وهذه السفن الكونية العملاقة ستمشي على نظم خاص من اختراق المجرة من التسارع والفرملة بحيث تخترق كل 200 سنة مجال 20 سنة ضوئية من الفضاء الممتد، يقطعها خمسة أجيال من البشر إذا اعتبرنا أن عمر الجيل أربعون سنة وهو ما انتبه له ابن خلدون من قصة التيه في موسى مع قومه (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) حتى يخرج جيل جديد حر لا يعرف الاستبداد الفرعوني. وحسب المعلومات الكوسمولوجية المتوافرة فإن شروط الحياة توجد على ظهر كواكب تبعد في المتوسط حوالي 14 سنة ضوئية، وأما الكواكب التي تشبه أمّنا الأرض فهي تتواجد كل 32 سنة ضوئية وهذا يعني أن البشرية أمامها استراتيجية ذكية لاختراق المجرات. هذه الأفكار تشبه الجنون ولكن رحلة البحارة البولينيزيين كانت أجرأ من هذا فبالسفر على ظهر سفن واهية مفتوحة قام البوليزنيون جيلاً من بعد جيل بتحدي المحيط الهادئ المترامي بدءاً من العام 1500 قبل الميلاد وحتى العام 900 بعده في فترة 2400 سنة على شكل موجة بشرية تعقبها أخرى لاستيطان المنطقة الوسطى والشرقية من الجزر المتناثرة من جزر المحيط بأشد من نجوم السماء في المجرة، انطلاقاً من أرخبيل بسمارك وجزر فيجي تونجا وساموا. ومن اللافت للنظر أنه خلال ألفين وخمسمائة عام كان معدل اختراقهم للجج المحيط هو مائة كيلومتر كل أربعين سنة، وكانت موجات التتابع لاستيطان جزر المحيط قفزة كل خمسة أجيال في مدى قرنين؛ فإذا طبقنا هذه الدينامية في الهجرة كان معناه أن انطلاق البشر عبر الملكوت سيتم بخطوات شبيهة من عمل البولينيزيين الرائد بمعدل قفزة كل 200 سنة كل خمسة أجيال بعد التكيف مع الكوكب الجديد الواقع في مرمى عشرين سنة ضوئية تستعمره وتسكن فيه طلائع من البشرية لفترة ألفين من السنين؛ لتبدأ الموجة اللاحقة بعد 2200 من السنين؛ فإذا علمنا أن قطر المجرة مائة ألف سنة ضوئية كان معناه استعمار كافة المجرة في عشرة ملايين من السنين، قبل الانطلاق الى مجرة أخرى مثل الاندروميدا ذات القطر 150 ألف سنة ضوئية، التي هي أكبر وأرحب من مجرتنا درب التبانة، وفترة عشرة ملايين من السنين ليست بشيء في تاريخ الأرض إذا علمنا أن الحياة أصبح لها على وجه الأرض 3800 مليون سنة ؟!.. ويخلق مالا تعلمون.