بعيداً عن المعاني الكثيرة التي خاض فيها اللغويون في تفسير مفهوم لفظة "الوطن" يبدو أن المصطلح أكبر من أن نحصره على معنى معين أو أن نبقيه على هكذا شكل. لأنه أي الوطن متجدد الشكل والمضمون، وإن ظلت اللفظة محافظة على مبناها الأبجدي وعلى معناها القريب الذي نتحرك فيه كجزء منه ولكنه الكل الذي يتملكنا.. وهنا يكمن في اعتقادي سر التمرد على المعاني الشائعة للكلمة (وطن) وسر تجاوز دلالتها إلى آفاق مترامية الأبعاد والقيم فكراً وعاطفة وسلوك حياة تتسع وتضيق صورتها المرسومة فينا وفق قدراتنا المعرفية والأخلاقية والروحية ووفق درجة ارتباطنا بالوطن على أساس من تلك القدرات على ري هذا الكل الذي لا يتجزأ من معين مكارم الحق والخير والجمال والولاء وصدق الانتماء...إلخ، ليسمو بمواطنتنا الفاضلة ونسمو به هوية جديدة للحب والعطاء والتضحية فيصبح الوطن إنساننا المؤمن به، ونصبح نحن الوطن. بمعنى آخر.. إننا كمواطنين من جنس البشر؛ علينا أن نبحث عن وطننا فينا، لا أن يبحث الوطن فيه عن إنساننا النبيل.. فمن العار أن تحبل أيامنا بالإثم ،ويولد للوطن في هذا النهار أبناء لقطاء!!. كما أنه ليس من العدل أن يمنحنا الوطن شرف الانتساب الشرعي إليه ونرفض نحن هذا الشرف العظيم.. ونقبل وبإصرار عجيب على التمادي في البغاء كي لا يبقى للضاد مكان في مباني ألفاظنا الأغلى في قاموس كينونتنا الحياتية (كأرض وعرض... إلخ) فيسود التصحيف والتحريف تلك اللفظتين مثلاً لتصبح (عارض) مزج التهجي الفوضوي المحتوى ويصبح (عار) مختصر الكلام. وبالتالي يبقى المصطلح عارياً إلا من تقمص مواطنه الثوب المستعار، كعارض أزياء تمرغ في وحل التعري ليصبح السلعة الرخيصة للغرباء، أما ثوبه المعروض فإنه أغلى منه ثمناً. نخلص من هذا إلى أن الوطن أغلى ما يملكه المواطن؛ فإذا فرّط فيه المرء وتمادى في خيانته حتى المهانة فماذا يبقى له من رصيد سوى بصقات الأجيال ولعنات التاريخ الأبدية. وما يتعرض له وطننا الغالي (اليمن) اليوم من خيانات عظمى يرتكب جرائمها البشعة بعض مواطنيه إنما يكشف وبوضوح عن معدن هذه الفئة التي فرطت في أرضها وعرضها وهويتها الوطنية، وعن المدى المخزي الذي وصل إليه هؤلاء في الممارسات غير المسئولة التي يلعبون أدوارها الهزلية على مسرح المزايدات والتلاعب بمستقبل اليمن إشباعاً لنزواتهم المريضة، وخدمة لأعداء الوطن وهم يحسبون أنهم بذلك يحسنون صُنعاً. ولكنهم المفضحون حتى الهزيمة، والمهزومون حتى نهاية العرض المشين.. ولقد بدأت بالفعل (بداية النهاية).. فالذي يعارض لمصلحة فردية ضيقة؛ أنى له أن يصبح بحجم المسئولية عن وطن؟!. والذي يصنع من ضجيج مفتعل صوتاً للديمقراطية الفوضوية؛ أنى له أن يجلس على طاولة حوار جاد مع الآخر بصوت ديمقراطي متحرر من عبث الجدل العقيم؟!. والذي يمارس كل السلوكيات المناطقية المنبوذة مع أبناء الشعب الواحد، ويمارس كل أنواع التخريب وإرهاب العوام؛ كيف له أن يكون صاحب قضية عادلة؟!. بل إننا لا نستغرب من مثل هؤلاء الموتورين ونحن نسمعهم يناشدون الاستعمار الأجنبي بالعودة إلى اليمن لاحتلاله من جديد؛ لأنه حسب قولهم الرذيلة التي تشبع نزواتهم المتوحلة والخراب الذي لا يحلو لهم النعيق إلا فيه. أليس في كل ما يفعله خائنو الوطن المؤشر الإيجابي اليقين على انتصار الوطن وقيادته وشعبه وشرعيته ووحدته ومنجزاته وطموحاته المستقبلية؟!. إن ما وصل إليه المتمردون والخارجون عن القانون والمخربون وكل المفسدين والمقنعين بالفساد إنما هو بداية النهاية لعبثهم بوطن غالٍ على نفوس كل الشرفاء والمخلصين. وطن تاريخه وحضارته وإيمانه وولاء شعبه الأصيل أقوى من كل القوى الشريرة المحيطة به، وأكبر من كل أطماع الحاقدين، وإنه لبالمرصاد الدؤوب لكل المفسدين وبكل شموخ وإباء. هاهو اليمن الكبير أرضاً وشعباً وحكومة وقائداً وطنياً مخلصاً يرصد بعيون الحكمة والإيمان اليماني بداية نهاية التجربة.. أما قبل فإن نهاية البداية لدى أشرار الوطن قد عاشوها جميعاً وصمة عار على هاماتهم المنكسرة. أما تفاصيل نهايتهم المحتومة فإن فصول بدايتها قد أعلن الوطن ظهورها، وهم وحدهم الخائنون من كشفوا عن سوءاتهم في ظل صمود اليمن ليبدأ التاريخ يكتبهم بأيديهم خارج ذاكرة الزمن.. فهل يعتبرون؟!.