ما يجب أن يعلمه الجميع أن الدولة حينما اختارت السير في طريق السلام لإنهاء تداعيات الفتنة التي أشعلتها عناصر التمرد والإرهاب والتخريب في محافظة صعدة، كانت قد انطلقت من قناعة صادقة ومخلصة بأن هذا الخيار هو من أفضل الخيارات لحقن الدماء والأرواح وحفظ المقدرات والإمكانيات وقد جسدت الدولة هذه القناعة بالقرار الذي أعلنه فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في 17 يوليو من العام الماضي، والذي قضى بوقف العمليات العسكرية وإنهاء المواجهات مع عناصر التمرد والتخريب ومباشرة إعادة الإعمار في المحافظة واستكمال إنجاز المشاريع الخدمية والتنموية التي تلبي تطلعات المواطنين واحتياجاتهم من هذه المشاريع. إلا أنه وفي الوقت الذي اتجهت فيه الدولة إلى تكريس كل جهودها في هذا الاتجاه التنموي بديمومة عالية كانت عناصر التخريب بالمقابل ترسم الخطط الإجرامية للانتقام من المواطنين الأبرياء والتنكيل بهم والزج بهم في السجون التي استحدثتها في الكهوف المنتشرة في الجبال المحيطة ببعض المديريات لمجرد أن أولئك المواطنين قد استبشروا بالقرار الشجاع الذي اتخذته الدولة بوقف العمليات العسكرية وإحلال روح السلام. وطوال عام كامل تحلت الدولة بالصبر والحكمة على الرغم من الخروقات المتصاعدة والانتهاكات البشعة من قبل عصابة التخريب والإرهاب التي تعاملت مع التوجه العام للسلام بشكل عدواني تجاوز حدود الاستفزاز إلى الإيغال في الجرائم المنظمة والتي توزعت بين الاغتيالات والتصفيات الجسدية للمواطنين والمشائخ والوجاهات الاجتماعية وبين أساليب الخطف والنهب والاستيلاء على المراكز الحكومية ومقار السلطات المحلية في المديريات وتدمير المدارس والمساجد وقطع الطرقات العامة وإحراق منازل ومزارع الأشخاص الذين يمتنعون عن دفع الزكوات والضرائب إلى تلك العصابة التي وصل بها الحقد إلى تشكيل محاكم خاصة لمعاقبة كل من لا يلتزم بدفع الأتاوات والزكوات ونصب المشانق لمن يعارض طغيانها ونهجها الضلالي، ناهيك عن تشريد أسرهم من منازلها وقراها على نحو تستهجنه العقيدة الإسلامية والأعراف والقوانين ونواميس الحياة. ويصل القبح مداه بقيام تلك العصابة الشريرة بإطلاق بعض كلابها المسعورة لهتك الأعراض بالاعتداء على النساء والأطفال في تصرفات همجية تمثل أبشع أنواع الانحطاط الأخلاقي. ولعل ما ورد في تقرير السلطة المحلية والأجهزة الأمنية بمحافظة صعدة من الوقائع الثابتة قد كشف عن جرائم يهتز لفظاعتها ضمير ووجدان كل إنسان غيور على دينه ووطنه وأخلاقيات أمته. وربما يصعب على البعض ممن يجهلون حقيقة تلك العناصر التي ظلت تتستر بغطاء الدين والشعارات الزائفة تصور مثل هذه الممارسات التي نهى عنها الله ورسوله وتوعد من يقدم عليها بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة. وحتى لا يتهمنا أي من هؤلاء المخدوعين بالمبالغة فإن بوسعهم التأكد من تلك الوقائع ممن كانوا ضحاياها والوقوف على الحقيقة بأنفسهم عبر التقرير المنشور في الوسائل الإعلامية. وأمام هذا التمادي الخطير واستغاثات المواطنين ووصول السلطة المحلية إلى طريق مسدود بفعل إصرار عناصر التخريب والتمرد على غيها ومسلكها العدواني لم يكن هناك خيار أمام الدولة سوى الاضطلاع بمسئولياتها في حماية المواطنين وصون دمائهم وأعراضهم وممتلكاتهم وتأمين السلم الاجتماعي في محافظة صعدة باعتبار ذلك من أوجب الواجبات التي تقع على عاتقها مما يعني معه أن الدولة فُرضت عليها المواجهة ولم تخترها بدليل أنها من بادرت عن قوة وليس ضعفاً إلى تبني خيار السلام، فيما رفضته وانتهكته حفنة المارقين والعناصر المخربة التي عاثت في الأرض فساداً إشباعاً لنزواتها الشيطانية المسكونة بالأحقاد والضغائن على هذا الوطن وأهله. تلك هي الحقيقة التي نقولها بكل صراحة ونكررها اليوم ليفهمها من يريد أن يفهم إزاء سجل تلك العصابة التي حملت معول الهدم بهدف إعاقة هذا الوطن وزعزعة أمنه واستقراره، تحركها أمراضها الدفينة ورواسبها العليلة وما تختزنه من الأوبئة والخزعبلات والدعاوى البغيضة التي قضت عليها الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر وتجاوزتها حياتنا العصرية التي قدم شعبنا من أجلها أغلى وأقدس التضحيات، وليعلم القاصي والداني أن قيم تلك الثورة ستظل ثابتة ومتجذرة وراسخة رسوخ الجبال الرواسي، ووطن يتكئ على كل هذه المبادئ هو أقوى من أن تنال منه خفافيش الظلام بأفكارها العنصرية السوداء التي سرعان ما يقهرها نور الحقيقة.