بالأمس القريب كان الكثير من المرجفين وأصحاب الدسائس والمكائد يتحدثون عن قيام الدولة بقمع الأقليات من الشعب المطالبة بحقوقها وحصتها من خيرات ومكاسب الثورة من سكان المحافظات النائية في محاولة لإذكاء نار التمرد الحوثي في صعدة وحرف سفيان، واليوم يشيعون الأقاويل عن تقصير الدولة في القضاء على ما أسموه بعصابة التمرد الحوثية والتفاوض معها لإيقاف الحرب الدائرة معها في محاولة منهم لإثارة الرأي العام وتأليبه ضد قرار إيقاف الحرب الهادف إلى حقن الدماء ونشر الأمن والاستقرار في ربوع الوطن بعد أن عاد الحوثيون إلى رشدهم وصوابهم واستجابتهم لتنفيذ الشروط الستة التي حددتها الدولة لإيقاف الحرب ضدهم عملاً بقوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله). وليس بخافٍ على أحد أن القيادة السياسية بزعامة فخامة الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة قد وجهت دعوة صريحة وواضحة للحوثيين بعدم جدوى العناد والصلف والغلو وإتاحة الفرصة أمامهم لخوض المعترك السياسي على الساحة اليمنية بصورة قانونية ومشروعة من خلال القيام بتشكيل حزب سياسي يعبر عن آرائهم وأفكارهم ومبادئهم وتوجهاتهم شأنهم في ذلك شأن بقية الأحزاب المعارضة التي كفل لها الدستور حق التعبير عن آرائها وأفكارها ومبادئها في ظل الأجواء والمناخات الديمقراطية التي كفلها الدستور بما في ذلك حق اللجوء إلى صناديق الانتخابات والاقتراع الحر والمباشر للحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية اللازمة لعبور أي حزب إلى كراسي الحكم وتولي دفة القياة العليا للشعب والوطن بكل هدوء وسكينة دون إراقة قطرة دم واحدة. ولما كانت الجماعات الحوثية هي من رفضت الاستجابة لنداءات ودعوات القيادة السياسية فقد كان لزاماً على القيادة أن تقوم بتحمل مسئولية الدفاع عن أمن الوطن وسكينته واستقراره إزاء الصلف الحوثي وإصراره على التمسك بخيار التمرد المسلح. حيث وجدت القيادة السياسية نفسها مرغمة للرد على هذا الخيار بمثله بالرغم من حرصها على عدم العمل بهذا الخيار إلا بعد أن فشلت كافة الخيارات السلمية التي طرحتها أمام الحوثيين على مرأى ومسمع العالم بأسره. ولعل الإرادة الإلهية كانت الفيصل فيما يتعلق بهذا الجانب لقوله تعالى: (عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم) فقد أثمر الرد المسلح على تمرد الحوثيين أن وصلوا إلى قناعة تامة بعدم جدوى رفع السلاح ضد هيبة وسيادة الدولة، والتأكد من زيف وخداع العناصر التحريضية التي دفعتها إلى ذلك والإيمان بعدم إمكان التغلب لأية فئة أو جماعة على سيادة الدولة وإرادة الشعب واصطفافه خلف قيادته السياسية مهما كانت أنواع الدعم الخارجي الذي يمكن الحصول عليه، لهذا الغرض والاقتناع عن كثب بأن الخضوع لهيمنة الدولة وسلطاتها وقوانينها وأنظمتها خير من الخضوع والارتهان لأي مصدر خارجي لا هدف له سوى تحقيق مصالحه وأطماعه والاستيلاء على خيرات البلاد ومكاسبها. لذلك فقد وصل الحوثيون إلى هذه القناعة بعد أن تعلموا تلك الدروس التي أعادتهم إلى صوابهم وإلى تحكيم عقولهم والاحتكام إلى طاولة الحوار والقبول بكافة الشروط التي طرحت عليهم قبل اندلاع الحرب الرعناء التي ساعد على إذكاء نيرانها كثير من شياطين الجن والإنس الذين لا هدف لهم سوى إشعال نار الفتن ونشر روح العداوة والبغضاء وثقافة الحقد والكراهية بين أفراد الشعب الواحد. وإن كان أولئك الشياطين قد نجحوا في ذلك إلى حد ما فإنهم الأخسرون دوماً لقوله تعالى: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) فهاهي النار التي أشعلوها في صعدة قد انطفأت، وهاهم الحوثيون يلقون أسلحتهم ويعودون إلى أحضان الوطن الكبير، وهاهي الدولة تضع اللمسات الأولى لإعادة تعمير ما دمرته الحب ليتسنى للنازحين العودة إلى ديارهم ودورهم وبيوتهم وقراهم لينعموا بالأمن والرخاء والاستقرار، وهاهم الأعداء والمبطلون يجرون أذيال الخيبة والخزي والعار ليموتوا بغيظهم وحقدهم وحسدهم، فالبقاء والخلود لله، والنصر للأوطان والشعوب، والموت للخونة والعملاء والأشرار. ولم يكن ما حدث سوى غمامة سحاب سوداء سرعان ما انقشعت وتبددت على صخرة الصمود والإباء لأبطال القوات المسلحة والأمن الذين أثبتوا دون شك أنهم درع الوطن وحارسه الأمين تحت راية ورعاية القيادة السياسية بزعامة الرئيس القائد علي عبدالله صالح الذي أوفى لشعبه ووطنه كما عهدناه منذ الوهلة الأولى لتوليه زمام الحكم في السابع عشر من يوليو 1978م ولما يزيد عن 32عاماً من الجهاد والنضال والكفاح والبذل والعطاء المتواصل، حيث تحققت في عهده الكثير من المنجزات الإنمائية والعمرانية والانتصارات التاريخية بفضل صموده واستبساله وحنكته وحكمته في التعامل بعقلانية ومفهومية وروية إزاء كل القضايا المصيرية، وبفضل ما يتمتع به من بطولة وشجاعة في اتخاذ القرار وما يتحلى به من أخلاق عالية يُضرب بها المثل وما يمتلكه من إرادة وقوة صبر ورباطة جأش وتحمل للشدائد والصعاب باعتباره الربان الذي يمسك بدفة القيادة للسير بسفينة الشعب والوطن إلى بر الأمان، فكان خير قائد وخير أمين وحارس لشعبه ووطنه وخير زعيم تحققت على يديه كافة أهداف الثورة السبتمبرية وفي مقدمتها تحقيق الوحدة الوطنية التي ننعم بها اليوم ونعيشها واقعاً ملموساً وكذا بناء المؤسسات الدستورية، فانتصر على كل الأعداء والأهواء بعون من الله وتثبيته لقوله تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) فجزاه الله خير الجزاء، وحفظه الله وأبقاه لشعبه ووطنه وأمته. وكما كانت حكمة القيادة السياسية في تعاملها مع قضية التمرد في صعدة ودعوة المغرر بهم للحوار قبل سفك الدماء فقد كانت كذلك في تعاملها مع عصابات الردة والانفصال التي أعلنت حربها على النظام وإرادة الشعب بأكمله في صيف عام 94م بالرغم من كافة السبل والوسائل الودية التي دعت إليها القيادة السياسية لرأب الصدع وتحكيم العقل وطرح الأمر على كافة العلماء والمشايخ والأعيان والمنظمات الشعبية والجماهيرية للاضطلاع بمهامها ودورها ومسؤولياتها أمام تلك البادرة الخطيرة الهادفة إلى تمزيق الوطن ووأد وحدته والعمل على دعوة تلك العناصر الانفصالية للرجوع عن غيها وضلالها لما فيه مصلحة الشعب والوطن. حيث باءت كل تلك المحاولات بالفشل أمام تعنت وجبروت وصلف وتعسف تلك العناصر التي أبت إلا اللجوء إلى الخيار العسكري والقيام بضرب المدن والأحياء السكنية بالطائرات والصواريخ المحرمة دولياً علّها تنجح في تحقيق مخططها الانفصالي، فكانت عاقبتها الهزيمة والخسران. وليكن ما حدث في صعدة وحرب 94م درساً وعبرة لمن لايزالون في غيهم وضلالهم من المغرر بهم فيما يسمى ب"الحراك الانفصالي" ومن يقف وراءهم من المحرضين والمغرضين الداعين إلى شق الصف الواحد وإعادة تشطير اللحمة التي أنعم الله بها على بلد الإيمان والحكمة، وإن كانت هناك حقوق أو مطالب شرعية وقانونية لم تحقق بقصد أو دون قصد فلا يجب أن تكون سبباً لتخريب وطن وشعب بأكمله مادامت هناك منابر للكلام والحوار والتفاهم بطرق سلمية وودية لبحث ومناقشة كل ما من شأنه تحقيق المصلحة العامة وتسخير ما يمكن إهداره في الحروب لقضاء حوائجنا وتوفير متطلبات بلادنا من المشاريع الإنمائية والعمرانية التي تعود بالخير والسعادة والرفاهية للأجيال القادمة من بعدنا حتى تنشأ على الإخاء والمحبة والتعاون بدلاً من العداء والكراهية وحب الثأر والانتقام وإزهاق الأرواح وسفك الدماء. لأننا جميعاً يمانيون سواء شئنا أم أبينا، والوطن هو ملكنا جميعاً، ولا توجد هناك قاعدة تفرق بين شمالي وجنوبي أو أسود وأبيض أو طويل وقصير أو غني وفقير أو حاكم ومحكوم طالما وأننا قد تعاهدنا أمام الله والعالم بأننا شعب واحد على وطن واحد لا فضل لأحد على أحد إلا بالعمل والإخلاص لله والوطن والثورة والوحدة. وهاهي قيادتنا السياسية الحكيمة قد مهدت الطريق وسهلت كل العقبات وذللت كل الصعاب للعمل من جديد على توحيد الصف ولم الشمل ورأب الصدع والإجماع على كلمة سواء لما فيه مصلحة الشعب والوطن من خلال الدعوة إلى حوار وطني شامل لكافة الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والوطنية للجلوس معاً تحت سقف مجلس الشورى عملاً بقوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) ولكي لا تكون هناك حجة لأي متحذلق أو مراوغ أو متلاعب أو مزايد بعد اليوم. وليس من شك أن هذا المؤتمر سيكون بمثابة المعيار الأساسي لعامة الشعب لكشف حقيقة أعداء الوطن وخصومه مهما كانت مبرراتهم لمقاطعة هذا المؤتمر أو عدم مشاركتهم لحضوره ودليل على سوء نواياهم وما تخفيه صدورهم، فسيكشفهم الله أمام الشعب ليقول فيهم كلمته ما لم يرجعوا إلى صوابهم ويعدلوا عن سيئات أعمالهم وشرور أفكارهم الشيطانية، فالمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون".