كنت بين الشراكسة في معرض دمشق يوماً، ولأنني صهر لهم فقد أكرموني بمقعد بينهم وهم قوم كرام، وسمعت مغنياً متحمساً لم استسغ حنجرته، ولا صعق صوته المرتفع ب 160 ديسبل، بما يبخش صيوان الأذن، ويثقب غشاء الطبل، ويفرقع عظيمات السمع؛ فلحظت من حولي رجلاً يحمرّ ألواناً وينتفخ مثل ديك حبش وأنا متعجب ! سألت ما الخبر؟ وما سر حماسه المستطير؟؟ ماذا يقول المغني المفرقع؟ وأنا لا أفقه كلمة مما يقول قالوا: يقول ويزعق أنه يحمد الله أن جعله شركسياً!! قلت في نفسي مكرراً قول أم رياض والدتي، وأنت أيها المسكين ما بالك في نادي القوم منكراً، غضب الله نزل عليك ثلاث مرات؛ فلست شركسياً، ولست قبلياً، ولست سليل عائلة ملكية فرعونية، بل ولدت من بطن امرأة تأكل القديد وتخبز الكليجا ليوم العيد!! وهكذا فكل قوم بما لديهم مفتخرون أنهم خير من أخرجت البرية...... وكلنا لآدم وآدم خلقه الرب من تراب............ أعجبني يوما الحلاق حورية الذي تأمل عضلاتي يوما ثم ضحك وتابع ثرثرته المعتادة؛ سوف يتمتع الدود من لحمك المكتنز بوليمة يوم إضافية في القبر!! قلت صدقت ، فكلنا من التراب وإليه نعود... اليهودي يقول أنا خير من أخرجت البرية ذكاء وفعالية... والفلسطيني يقول إنه ليس مثل الناس لأنه يقاوم فيقتلون ويقتلون وينتحرون ويصعقون، ويفجرون الطائرات والناس وأنفسهم، والبارات والمراقص والحافلات.. وبنو صهيون يبنون جدران العزل وأيديهم على الزناد وأفئدتهم هواء.. والشراكسة قوم نزلوا من المزن طاهرين لا يمسهم إلا المطهرون... والعرب ينتسبون لبني عدنان، ومنهم خرج النبي العدنان... والأتراك يكتبون على باب الجامعة تركي واحد يساوي العالم وإذا ذكروا العرب قالوا بيس عرب ؟؟ (البيس في اللغة التركية السيئ).. أما الإيرانيون فمنهم آية الله بشحمه ولحمه، لسانه إلهي وإسته رباني والكريات الحمر في دمه مختومة بختم النبوة لاشك فيها ولا ريب.. أما الأكراد فإبراهيم عليه السلام ابنهم، وكل الأنبياء خرجوا من أصلابهم، وأصل لغات العالم هي الكردية، وقوميتهم دواء من كل داء ومصيبة وبلية، والكرمنجي مظلوم من العرب باسم الإسلام مستعمر، وكأن كل العرب أحرار من الديكتاتوريات وظلمات الاستبداد، والمهم الخروج من ظل العرب إلى ظلم الأكراد... المهم أن يكونوا في ظل كردي، ولو لم يكن لا ظل ولا كريم بل حم وحميم.. أما الألمان فقوم أعجب من العجب، والصيام في رجب، دمهم آري نقي، ورؤوسهم مدورة آرية بانتظام، وأجسادهم بدعة ليست للفناء، ولغتهم كعبة العالم والعلوم، وتاريخهم علماء وفنانون ومبدعون فلا إبداع إلا منهم أو منتسب إليهم، ولو خرج منهم هتلر وروهم وروزنبرج وقاتل مروة الشربيني في ناديهم ومحفلهم وقاعة محكمتهم.. لقد حاول توينبي فهم التاريخ البريطاني المجيد فملّ وعجز، ولم يفهمه إلا في سياق حوض حضاري، ومنه تظاهر البريطاني بالغباء وهو الذكي المتغافل، وكل أمة بما كسبت رهينة.. أما نحن الذين رأوا في مشكاة النبوة العدل والصدق والمستقبل؛ فلسنا من آل البيت، ولسنا أمويين، بل متطفلون فضوليون يبحثون، عن ضوء السماء؟ فهل يمكن أن نعتبر أننا كلنا سواء، لحمنا من آدم، ودمنا من تراب وخضاب وهيموغلوبين وذرة حديد، لا يختلف في هذا فلاح كردي عن آية الله في قم، أو شيخ الأزهر بعمامة صفراء، وعمامة سوداء لسيد في البحرين وجنوب الليطاني ولبنان، أو عن طربوش أحمر تركي من أنقرة شرشوبته للخلف.. من التراب أتينا، وإليه ننتسب، وإليه نرجع، وإلى الله نعود فيخبرنا بما كنا نفعل، وما اجترحنا من سيآت وعتونا، وعلونا في الأرض علواً كبيراً.. ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون.