هناك أشخاص يرغمونك على الوقوف أمامهم إجلالاً، لأنهم يقدمون أنفسهم بصمت من خلال التزامهم وإخلاصهم في أعمالهم، ومن هؤلاء الأشخاص الجندي حسين حسين السياغي، جندي المرور البسيط المثالي المرابط في جولة سبأ (صنعاء) كل يوم، هذا الجندي صار علامة مميزة في مكانه، وإذا لم يتواجد في جولة سبأ صباح كل يوم يشعر المارة بافتقاده، ويشعر السائقون بأن الأمور لن تكون على ما يرام في ذلك المكان، هناك علاقة حب تربط كل سالكي جولة سبأ - سواء أكانوا مشاة أم في مركباتهم- بهذا الرجل، الحب المصحوب بالاحترام وليس بالخوف يسيطر على الجميع حينما يجدونه أمامهم في الجولة، هذا الرجل قد لا يعرفه المسئولون كما يعرفه المواطنون، لكن كل سالكي الطريق يجمعون على وطنيته وحبه واحترامه للمواطن وللوطن، وحينما يتواجد السياغي في جولة سبأ تجد الطريق سهلاً والحركة منسابة والحوادث نادرة، يقابل الجميع بالتلويح بيديه وبابتسامة عريضة تخبر الجميع بأنه مستمتع بخدمة الناس، يتنقل من مكان إلى آخر بسرعة وخفة في تلك الجولة، همه الأول أن يساعد الناس على المسير، يحب عمله ويحب الوطن والمواطن، لا نرى على ملامحه أي عبوس ولا نجده يظهر غضباً من جنون المارة، ولا يتوقع جزاء على خدماته.ورغم كبر سنه نجده يقف طوال النهار في الشمس سعيداً بوقوفه غير متبرم من وضعه، نجده في أول النهار مبتسماً وفي آخر النهار كذلك، يملك طاقة عجيبة من الولاء الوطني، هذا شعور كل من يراقبه وهو يؤدي مهامه في جولة سبأ، فلا تسأل عنه أحداً إلا ويقول «هذا الجندي محترم»، يعامل الجميع وكأنهم أبناؤه، لا يختلق المشكلات ولا يسمح بالمخالفات، عنده قدرة عجيبة على وقاية الناس من مخالفة أنظمة المرور، ولديه جاذبية مدهشة لكسب حب الجميع واحترامهم. لديه انتماء عال للمكان ؛ فحينما بدأ إقفال الطريق لبناء الجسر في جولة سبأ كنا نعتقد أنه سيختفي إلى أن تعاد الحركة، لكنه ظل في مكانه مرابطاً يساعد المشاة ويدلهم على المخارج الجديدة، يشعر الجميع أن بينه وبين المكان والأشخاص علاقة حميمية لا يمكن أن توقفها الظروف الطارئة، نشاهده يعمل بكل وسعه على مساعدة المشاة والسائقين، يصحب الطفل والعاجز بيديه حتى يقطع الطريق، يسير المرور بعبارات ترغم الجميع حتى الطائشين على احترام نظام المرور، يزيح الأحجار المتناثرة في الطريق بيديه العفيفتين، أحياناً نجده يعلم رجال المرور الجدد عملياً كيف يسيرون حركة المرور بحب ورحابة صدر، رجل لم يركن إلى الكسل، ولا يحس بالملل، نشيط الحركة وثاقب النظرات، وقوي الملاحظة؛ فعلى الرغم بأن عمره قد تجاوز الخمسين كما يدل على ذلك مظهره إلا أنه يمتلك طاقة الشباب الطموح في مستقبل مشرق قادم نتمنى أن يطل عليه قريباً، عرفته نموذجاً سلوكياً مثاليا متحركاً لكني لم أتحدث معه أبداً، وهاأنذاً أقدمه للمسئولين الوطنيين علهم ينتبهون له ويكرمونه مادياً ومعنوياً.. إن تكريم الجندي حسين السياغي يُعد تكريماً لنموذج مثالي في عمله، ويعد تكريمه تكريماً لكل رجال المرور الشرفاء المخلصين، وحافزاً لهم على أن يستفيدوا من خبراته وأخلاقه، وأتمنى أن يكرم في حياته، حتى يشعر المواطنون أن المسئولين يقدرون الجنود المخلصين في أعمالهم، وحتى يثق رجال المرور القادمون بأن جهودهم وإخلاصهم وتفانيهم في خدمة الناس كلها أعمال منظورة يقدرها المسئولون قبل المواطنين. إن التفاني في العمل وحب المواطن والوطن هو السبيل الوحيد إلى الوصول إلى قلوب الناس، وهو الأداة الناجحة لجذب المواطنين إلى تطبيق أنظمة المرور، وفي رجال المرور نماذج عديدة مثل حسين السياغي والاهتمام بهذه النماذج وتكريمهم لا شك سيعكس أثره على سلامة الطريق، وعلى تطبيق أنظمة المرور بدون غرامات أو حتى بغرامات مدفوعة عن حب واقتناع، فمتى نجد رجل المرور المثالي في مقدمة اهتمامات المسئولين ؟!! (*) كلية التربية - جامعة صنعاء [email protected]